ثم ينزل الله جلت أسماؤه في أمر هذه الفتنة يخاطب المسلمين الذين كان رسول الله بين أظهرهم، لم يمت بعدُ: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ (100) وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}.

وإذن، فنحن لا نستطيع أن نكبر أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الأوس والخزرج عن أن يطيعوا فريقًا من اليهود حتى كادوا يردونهم بعد إيمانهم كافرين، ولا أن ننزههم عن ذلك وهم تُتلى عليهم آيات الله وفيهم رسوله! كما فعل الدكتور طه حين أراد أن ينزه أهل الصدر الأول من الإسلام في سنة 35 من الهجرة بعد أن قبض الله إليه نبيه بأكثر من عشرين سنة، وبعد أن نشأت ناشئة من الشباب لا يدَّعى أحد أنهم جميعًا كانوا أحرص على إيمانهم من أصحاب محمد وأنصاره الأولين. وهذا خبر واحد رويته، فإن شئت أن أروي الأخبار كلها لما وسعني كتاب أشرح فيه أمر هذه الفتن التي أرَّثتها اليهود في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولا يسعني أن أنص على كل آيات كتاب الله التي نزلت في أخبار هذه الفتن. وحسبى أن أذكر من نسى أن أخبار المنافقين والآيات التي نزلت فيهم، كانت كلها في المدينة لا في مكة، وأن ذلك دليل على أن النفاق كان حيث تكون يهود، وأن "الأعراب" لم يذكروا إلا في السور المدنية مقرونًا بالنفاق والمنافقين، وأن قول الله تعالى في سورة براءة {الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا} نزلت في بني أسد وغطفان، وهم كانوا حلفاء يهود في الجاهلية وفي زمان الإسلام، وهذا شيء أرجو أن يتذكره الدكتور حتى نعود إليه.

ولم يكن كل هذا المكر والكيد والإيقاع عملا جاء عفو الخاطر من يهود، ولا كان مأتاه من إساءة لحقتهم من حلفائهم الأوس والخزرج من المؤمنين غير المنافقين، بل هو شر انطوت عليه يهود لا يزايلهم ولو أحسن المسلمون إليهم، وهو حقد وضغينة وكفر وعدوان على أهل هذا الدين، وهم كما وصفهم الله أشد الناس عداوة للذين آمنوا بمحمد صلوات الله عليه. ودليل ذلك أن رجالا كثيرًا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015