هذا هو الموضع الأول، أما الموضع الثاني فهو أشد الأشياء علاقة بهذا، ولكن الدكتور قطعه عنه قطعًا كريمًا فترك صفحة 134 ومضى على وجهه في هذا البحث الجليل إلى أن بلغ ص 209 لكي يقول: "وهنا تأتي قصة الكتاب الذي يقول الرواة إن المصريين قد أخذوه أثناء عودتهم إلى مصر، فكروا راجعين. فهذه القصة فيما أرى ملفقة من أصلها"، ثم اختصر قصة الكتاب اختصارًا وقال: "كل هذا أشبه بأن يكون ملهاة سخيفة منه بأن يكون شيئًا قد وقع. والأمر أيسر من هذا. تلقى أهل الأمصار وعدًا من إمامهم فاطمئنوا إليه، ثم تبينوا أن الخليفة لم يصدق وعده! فأقبلوا ثائرين يريدون أن يفرغوا من هذا الأمر وأن لا يعودوا إليه حتى يفرغوا". ثم تبين للدكتور أن إلغاء هذا الكتاب الذي أرسل إلى والي مصر يأمره بقتل رؤوس الوفد الذي جاء من مصر، ليس يحل الإشكال في عودة الوفد بعد أن فصل عن المدينة راجعًا إلى مصر، وتبين له أيضًا أن الغرض الذي ذهب إليه من أنّ أهل الأمصار تبينوا أن الخليفة لم يصدق وعده، أي أنه كذب عليهم باللفظ الصريح، شيء غير مستساغ، فإنه سأل نفسه كيف تبينوا أنه كذب عليهم فلم يعرف كيف يجيب، فألقى الغرض كما هو وزاد عليه أنهم أقبلوا ثائرين، "فلما بلغوا المدينة وجدوا أصحاب رسول الله قد تهيأوا لقتالهم، فكرهوا هذا القتال وانصرفوا كائدين، حتى إذا عرفوا أن هؤلاء الشيوخ قد ألقوا سلاحهم وأمنوا في دورهم، كروا راجعين فاحتلوا المدينة بغير قتال". ولكن رَأَى الدكتور طه، وهو خير من يرى الآراء، أن هذا الغرض مدخول كله إذا لم يعزز بغرض آخر، ففكر وقدر، ثم نظر ثم قال: "وأكاد أقطع بأن قد كان لهم من أهل المدينة أنفسهم أعوان دعوهم وشجعوهم، ثم أعلموهم بما عزم عليه أصحاب النبي، ثم أعلموهم بعودة المدينة إلى الهدوء والدعة، ثم انضموا إليهم حين حاصروا عثمان". وهذه كلها كما ترى فروض وتخيل، وإقرار أيضًا بما أنكره في أمر عبد الله بن سبأ من تنظيم (الجماعات الخفية) التي تتستر بالكيد، فهو ينكر هذا المبدأ هناك ويقره هنا! ! ثم يمضي الدكتور في فروض، فرضًا من بعد فرض، حتى يريك كيف تعقدت الأمور فجأة إلى أن كان مقتل عثمان، ولكنه يختصر

طور بواسطة نورين ميديا © 2015