بأسلوب الصادق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. ولا ريب في أن السير "ألكسندر كادوجان" هو أول من يعلم أن الذي يقوله باطل كله، ولكنه رجل من ساسة بريطانيا -أي رجل من أعظم الممثلين الذين يجعلونك تحس أن المسرح قد انقلب تحت عينيك حقيقة واقعة.

ونحن لن نعلق على ما قاله "النقراشي باشا" ولا على ما قاله "السير كادوجان"، فالحق أبين من أن يحتاج إلى إيضاح لمن أراد الحق والتمسه وحرص [على] (?) التثبت منه، ولست أظن أن أحدًا من مندوبي أمم مجلس الأمن يخفي عليه وجه الحق في الذي سمع من الرجلين. فإن كان بناء مجلس الأمن قائمًا على العدل والإنصاف وإيتاء كل ذي حق حقه، فقد نالت مصر إذن حقها من غاصبها كاملا غير منقوص ولا مشروط بشرط. وإن كان مجلس الأمن هو سوق الرقيق الحديثة التي أنشأتها الأمم الغالبة لكي تبيع خلق الله وتشتريهم على الهوى، فإن مصر والسودان سوف تعلّم هذا المجلس علمًا جديدًا لم يكن يتوقعه من أمة ضعيفة أضعفها الاستبداد البريطاني على مدِّ خمسٍ وستين سنة -لأنها أمة قوية قد علمها هذا الاستبداد أن الحقوق تنال بالجهاد المر، وبالدم المهراق، وبالإيمان الذي لا يتضعضع.

ولقد كان فيما قاله "النقراشى" وفيما قاله "كادوجان" عِبَرٌ لمن أراد أن يعتبر، ونحن العرب أحوج الناس اليوم إلى الاستفادة من العبر المواضى، فإن جهاد مصر والسودان حلقة من حلقات الجهاد الذي كُتِبَ علينا منذ احتلت بلادنا بريطانيا وفرنسا وسواهما من الأمم التي استعانت على ضعفنا وغفلتنا بقوتها ويقظتها وجشعها الذي لا يشبع ولا ينطفئ.

فأول هذه العبر أنه ينبغي للمجاهدين في سبيل بلادهم أن يحذروا كل الحذر من الخوف، فإن الخوف آفة الجهاد، وما ساور الخوف قلبًا إلا انتزع منه البصيرة التي هي رائد كل مجاهد. وما نفي الخوف امرؤ من قلبه إلا زلزل بجرأته قلب

طور بواسطة نورين ميديا © 2015