على زمام الكون، واستولى على عناصر القوة، ونال أسباب السماء وأطاعته نواحي الأرض، فأي تكليف أشق من التكليف الذي يحمله هذا النبيل المسكين الذي يعيش في الدنيا مشردًا مضطهدًا مجهولا مهضوم الحق يوميًا بملفقات العيوب؟
وأول ما يجب على هذا العربي منذ اليوم أن يضع بين يديه صورة أرضه التي توارثها عن آبائه بالحق الذي لا ينازعه فيه منازع إلا مستطيلا أو متهجمًا: أرض تبلغ مساحتها مساحة قارتين من قارات الدنيا، ثم يقول لنفسه: هل يستطيع أحد أن يبيدني ويبيد أهلى وعشيرتى ويستأثر بهذه الأرض يفلحها أو يعمرها أو يقيم فيها للإنسانية حضارة أو دولة؟ وهل يستطيع أحد أن يقسرنى قسرًا على ما لا أريد أن أفعله مما يحب هو أن يتم له؟ وهل يستطيع أحد أن يأخذ قلبي من بين جنبى ليصرفه في هواه كما يشتهي أو يريد؟ وجواب ذلك كله "كلا! " ولا ريب. ففيم إذن أخدم نفسي لمن لا يريد إلا إذلالي، والفتَّ في عضدى، وأكل أرضى وما أنبتت من نبات وحيوان وإنسان؟
فهذا شأن الفرد الواحد، فما ظنك إذن بمئة مليون يكونون على قلب هذا الفرد الواحد، يدًا واحدة، ورأيًا واحدًا، وعملا واحدًا، وإصرارًا على أن لا ينازعنا أحد في حق نحن أصحابه وحماته والمكلفون بحياطته ورد العادية عنه؟ فإذا آمن العربي بهذه العقيدة التي لا مناص له عن الإيمان بها، فهل يدور في وهمك أن أحدًا يجرؤ على غصب العرب على ما لا يريدون، أو حملهم على شيء يصرون إصرارًا على أن لا يقبلوه؟
إن قضية العرب قضية واضحة بينة المعالم: هي أننا لا نريد إلا أن تكون بلادنا جميعًا مستقلة حرة، لا يحتل عراقها جندي واحد، ولا تخضع جزيرتها لسلطان ملوك البترول، ولا ينال نيلها من منبعه إلى مصبه سلطان بريطاني أو غير بريطانى، ولا تقع شامها ولبنانها تحت سطوة غاصب، ولا يعيث في أرجاء مغربها فرنسي خبيث القول والفعل مجنون الإرادة. وهذا كله شيء لا يملك كائن من كان أن يجبرنا على خلافه أو على الرضى به.
ونحن العرب قد أصبحنا دولا لكل دولة منا سياسة يخشى أن تكون ناظرة إلى