أسكرتهم فأطاشت حلومهم، وتركتهم لا يدركون إلّا ذلك المعنى الخسيس للحياة، معنى الفائدة العاجلة بغير نظر إلى عدل وَلا نصفة. وهم قوم تقوم حضارتهم على تزييف الشرور حتى تبدو في صورة الخير، وتدليس شريعة الوحش حتى ترى شريعة إنسان أنعم الله عليه بالعقل والعاطفة ليوازن بينهما موازنة تجلب عليه السعادة في الدارين. ومن العبث أن تحتال عليهم بما يسمونه "السياسة"، فالقوى وحده هو الذي يعرف كيف يستفيد من "السياسة" أما الضعيف فاعتماده على السياسة وبال مستطير الشر، يهدمه ويصرعه، ويمكن لعدوه أن يفترس منه حيث شاء وكيف شاء.

فلا مجاز لنا نحن العرب إلا أن نعرف أنفسنا، وأن ندرك حقيقة حياتنا؛ وأن نؤمن بأن القوى لا ينال بقوته بل باستسلامنا، وأنه لا يحيف علينا ببطشه بل بتهاوننا واستصغارنا لشأن أنفسنا؛ وأن أجهل الجهل أن يظن ظان أن مئة مليون من خلق الله يمكن أن يفنوا على بكرة أبيهم بسطوة ساط أو بغي باغ، وأنهم هباء لا يزن في ميزان القوة جناح بعوضة، وأنهم غنم مسيرون يُهاهِى (?) بهم راع عنيف تسوقهم عصاه إلى حيث أراد. نعم لا معدى اليوم لكل عربي من أن يحس في قلبه مؤمنًا بما يحس، أنه خُلِقَ لعصيان أمر الرعاة الطغاة، وأنه مأمور من عند مَن خَلَقَه أن يثبت في مكانه لا يطيع عصا الراعى ولا زمجرته ولا زئيره ولا إرهابه، وأنه مكلف يحمل أمانة من لدن دبت على الأرض قدم عربية، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها من عجم ومن عرب.

فالعربي اليوم هو أعظم الناس حملا للتكليف، لأنه يحمل وزر ما هو فيه من ضعف ينبغي أن ينفض عن نفسه آصاره (?)، ويحمل حق أجيال مقبلة توجب عليه أن يعمل ويمهد لها في هذه الأرض، ويحمل أيضًا أمانة آباء وأجداد وأسلاف مهدوا له هذه الدنيا التي يسكنها من أطراف الهند إلى أقصى مراكش، ومن حدود تركيا إلى أقصى السودان. هذا، وهو يعيش في عالم عدوّ له قد قبض

طور بواسطة نورين ميديا © 2015