الحكم العدل

يسمع كل عربي ويقرأ أن بلاده في حاجة إلى "الدعاية" لها في بلاد الأجانب، وبخاصة في أمريكا التي صارت اليوم ملتقى الأمم التي يسمونها الأمم المتحدة. وصارت هذه الكلمة حلوة على ألسنة رجال الصحافة العربية وعلى ألسنة رجال السياسة العربية، فكلهم يقول لك أو يكتب لك إننا تعوزنا "الدعاية" لبلادنا في الخارج. ولا بأس في أن يستحلى رجال الصحافة ورجال السياسة كلمة يديرونها على ألسنتهم، ويجدون في طعمها وفي نبرتها وفي جرسها لذة تحملهم على ترديدها واللجاج بها، ولكن البأس كل البأس أن يفضى استحلاء هذه الكلمة إلى استحلاء صب الملامة والتأنيب على أنفسنا، ونحت أَثلْاتنا (?) بالتعنيف على ما نرتكب من تقصير في حق أوطاننا. ولو كان ذلك التقصير حقًّا محضًا لا يعتوره رأي ينقضه، لكان كثرة اللجاج فيه عملا لا خير فيه البتة. ومع ذلك فلنفرض أنَّه حق محض، فما وراء ذلك؟

نعم إنه لحسن أن نظهر الناس على وجه الحق في مطالبنا، وعلى بشاعة الظلم المضروب علينا، وحسن أن ندعو الناس إلى سماع حجتنا؛ وحسن أن نزيل من أوهام أولئك الخلق ما علق بعقولهم عنا؛ وحسن أن نبدي لهم حقيقة أنكروها أو أنكرتها علينا السياسات فصدقوا السياسات وكذبوا أعينهم وأسماعهم. كل ذلك حسن، ولكن ليس بالحسن أن نأخذ الأمور من أقفائها لا من وجوهها، وأن ندع الرأي البين إلى الرأي الخفي، وأن نغفل الحقيقة الواقعة ونبصر الرجاء الَّذي لا يدري المرء أيتحقق له أم لا يتحقق.

فمسألة "الدعاية" تكاد اليوم تكون منصبة كلها على الدعاية في "أمريكا"، إذ لا سبيل إلى الدعاية في روسيا بحال من الأحوال، وبريطانيا هي طرف النزاع

طور بواسطة نورين ميديا © 2015