أو مطالب غيرها من الأمم العربية: بالإجماع. بيد أن السبب الَّذي من أجله أخشى تفرُّق الكلمة هو ما رأيت من أمثال هذه الوساطات التي تردّ كلُّها إلى سبب واحدٍ، هو أن الرأي العربيّ لم يدرُسْ القضايا دراسة مستوعبةً، ولم يتخذ لنفسه خُطَّة بيّنةً واضحةً في كل قضية. وأظنُّه لو فعل ذلك لنفى من قلبه خاطرَ هذه الوساطات بين أقوام العرب، وبين الدول المتغطرسة التي لا أمانة لها، ولا هدفَ لها إلا استعباد هذا الشرق بأساليب "مطابقة لمقتضى الحال".

وإنه لأولى بنا جميعًا، نحن العربَ، أن نصارح بالعداء كلّ أمة من أمم الطغيان الاستعماري، وأن نحذرَ كلَّ الحذر مزالق السياسة وأساليبها الخدَّاعة، فإننا أمم مجاهدةً، وينبغي أن تظل مجاهدة حتَّى تنال حقها في كل مكان، من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب. والمجاهد مُقاتلٌ، لا صاحب سياسة ومُوَاربة ومداراةٍ، فإن ضرَرَ هذه الثلاثة على الشعوب المجاهدة أكَبُر من أن نَغْفُل عنه أو نتهاون فيه.

وأنا أتعجَّبُ أحيانًا: لماذا لا تتعاونُ الدول العربية جميعًا والدول الشرقية الخاضعة للاستعمار، فتهبّ هبَّة رجل واحد، وتقاطع هذه الدول الباغية، وتقول لها: إني لن أتعاون حتَّى أنالَ كلّ حقوقي كاملة غير منقوصة! وهذا شيءٌ ليسَ بغريبٍ بعد قيام هيئة الأمم المتحدة التي يزعمون أنها أنشئت للمحافظة على سلام العالم، والتي تنقض مبادئها كل حجة تقالُ في مسألة مخافة العُدْوان على هذه الأمم بعد خروج الجيوش المحتلة من أراضيها، ولو فعلنا ذلك، وأبينا أن نُلْقى السَّلَم حتَّى تحلّ هذه القضايا الكثيرة التي عمَّدتها بريطانيا وأشياعها من الدول المستعمرة، لكان قريبا أن ننال كل ما نريد، ولكان ذلك معوانا للشعوب العربية والشرقية على الشُّعور بقوَّتها وعزتها واجتماع كلمتها، ولكان ذلك وِقاءً لنا من أن نكون كما نحن الآن: خداعٌ يُراد يمصر، وخداع يُرادُ بالسودان، خداع يُراد بالمغرب، وخداعٌ يرادُ بالهند وما جاوَرَها.

إنه ليس عجيبًا. بل الدلائل على صدقه وعلى صلاحه ما رأينا من نتائجه بعد قيام الجامعة العربية التي لا تزال في أول نشأتها. فالجامعة العربية على قلة وسائلها

طور بواسطة نورين ميديا © 2015