والأفاعي والعقارب، وكل لدَّاغ ونفَّاث وغدَّار، فانتبه فزعًا يطلبُ النجاة مما تورط فيه من ثقة بأقوامٍ لم ينالوا يومًا ما ثقته، ولا حمّلهم أمانته، ولا رضى عن أعمالهم ولا سلَّم إليهم مقاليده إلا مرغمًا أو مغرَّرًا أو مخدوعًا. ثم بقي الشعب يترقب نهاية هذه المفاوضات العجيبة التي نالت فيها مصر كل شيء إلا الجلاء، وحازت كل خير إلا الاستقلال، ورأت كل عجيبة إلا عجيبة ارتحال الجيوش البريطانية ذات الزى العسكري أو الزي المدنيّ".

ويقول قائل الشباب: "إنني لا أعرف تاريخ القضية المصرية على الوجه المعقّد الذي يدلسُ به الساسة علينا، ويدخلون المخافة والذعر في قلوبنا. ولا أعرفُ من تاريخ هذه القضية إلا أن بلادي كانت توشك أن تكون قُبيل سنة 1882 إحدى الدول العظمى في العالم، ثم إذا بأوربة كلها تتألّبُ على هلاكها وقتلها، والولوغ في دمِها بتحريض دولة واحدة قد امتلأ قلبها جشعًا وحقدًا. فلما ظفرت بما أرادت، ذَادَتْ كل دولة عن طريقها. ورمت مصر غدرًا وخيانة فاحتلتها في سنة 1882، وحسدتها الدول، وخافت مغبة احتلالها لأرض مصر، فتألبت عليها وطالبتها بالخروج منها، فوعدت أن تجْلُو عن أرض مصر جلاءً ناجزًا بعد أن تستقر الأمور ويتوطَّد سلطان العرش المزعزع! وقامت مصر تطالب بالجلاء فوعدت أيضًا بالجلاء، وظلت بعد ذلك تَعد وتَعِد وتَعِد وهي لا تمل وعدًا ولا تحققه، إلى أن كانت سنة 1946، فإذا هي تعلن الجلاء إعلانًا تامًا صريحًا بينًا واضحًا ناجزًا سريعًا، وتبدأ تجلو، ولكن من غرفة إلى غرفة، ومن سرير إلى سرير، ولكنها لا تخرج من باب الدار إلى لَقَم الطريق (?).

"ثم إننا نرى هذه الفئة التي اختالت في ثياب "الزعامة" ومجدتها الصحافة وسمتها باسم "الزعامة" قد دخلت في المفاوضات بينها وبين البريطانيين باسم مصر، ومصر منها برَاءٌ، فإذا بريطانيا تزعم للشعب أنها جَلت عن مصر، فأخلت القلعة، أخلتْ فندق سميراميس! وكانت فيه القيادة العليا البريطانية للجيش البريطاني في مصر، وأخلت كذا، وستجلو عن كذا، لكنها تأبى في المفاوضات

طور بواسطة نورين ميديا © 2015