الفساد، وبذلك يتعطل العقل وتقف الإرادة ويستنيم المرءُ إلى الراحة حين يرضى عن عمل من سبقه من الذين أبقى الموت عليهم لأنهم أهلٌ للحياة. وكذلك تنقطع مادة الحياة، ويتفانَى الخلق بالرضى والقناعة كما يتفانون اليوم بالتسخُّط والطمع. بيد أن موت الرضى والقناعة شرٌّ كله لأنه عقيم لا ينتج، أما موت التَّسَخُّط والطمع فهو إلى الخير أقرب، لأنه يبقى البقية الصالحة التي تستمرُّ بها الحياة متجددة على وجه الدهر.

ومن أجل ذلك قُدّر للآتي القادم على الدنيا أن يأتي منذ يولد وفي إهابه حبّ التملك والتسلط والأثرةِ والعناد واللجاج في صغير الأمر وكبيره، وكذلك الطفل. وقُدّر للذاهب الراحل عن هذه الدنيا أن يدلف إلى الغاية، وقد نَفَض عن نفسه أحب أشيائها إليه فهو يؤثر الزُّهد والإيثارَ وسعة العقل وقلة المبالاة في كبير الأمر وصغيره، وكذلك الشيخ. فإذا الآتى مُتَمَلِّك سالب، وإذا الماضي مفارق سليب.

فهذا هو تاريخ الصراع بين أجيال الناس كلهم، والأمم جميعها، والآراء بأسرها، والمذاهب برمَّتها؛ إلى آخر هذا الحشد الحاشد مما يقع عليه الخلاف في هذه الحياة الدنيا، وليس يكون فيها شيء إلا كان مظِنَّة للخلاف. وهذا الصراع المُفني هو نفسه سرٌّ القوة المحْيية، وهذا الجهاد المتواصل في طلب الغلبة والظهور، والنصر بين السالب والمسلوب هو الحياة. وهذا العناء الشديد الذي يلقاه الشباب حين يحتدم الصدام بينهم وبين أهل السن من قدماء الأحياء هو تكملة الإنسان الجديد الذي يريد أن يتملك مواطئ أقدام الإنسان القديم الذي كتب عليه أن يرحل ويُفسح الطريق لمن هو أولى منه بالعيش وعليه أقدر: وقديمًا قال القائل:

لكلّ جديد لَذَّةٌ، غيرَ أنني ... وجدت جديدَ الموت غير لذيذ

فيأتي الآتي إلى جديد الحياة، فإذا هو بها مشعوف لهيفٌ، وإذا هو نفسه جديد، فهو معجبٌ بجديد نفسه ساخرٌ من قديم غيره؛ وإذا سر كل "آت" هو جدّته الموفورة، وسرُّ الضعف في كل "ماض" هو جدّته البالية. وللجديد نخوة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015