من وراء حجاب

أخي الأستاذ الزيات:

السلام عليكم ورحمة الله، وبعد، فقد أكرمتني ودعوتني لكتابة مقالتي لعدد الهجرة من الرسالة، فجعلت أماطل الساعات كعادتي حتى تضطرّني إلى مأزق أجد عنده مفرًا من حمل القلم، والإكباب على الورق، وترك الزمن يعدو عليَّ وأنا قارٌّ في مكان لا يتغير وزمان لا يتحول. فلما كارب الرقت وأزفت الساعة، فزعت إلى ذلك الكتاب القديم الذي طال عهد "الرسالة" به، وهو "مذكرات عمر بن أبي ربيعة"، حملت الكتاب حريصًا عليه، ووضعته على المكتب بين يديّ، وترفقت بصفحاته وأنا أقلبه كما يقلب العاشق المهجور تاريخًا مضى من آلام قلبه. ووقعت على ورقة حائلة اللون قد تخرّمها البِلى، وإذا فيها هذه الأبيات الثلاثة، لم ينل منها شيء، لا تزال ظاهرة السواد بيِّنة المقاطع:

"فصروف الدهر في أطْباقه ... خِلْفَة فيها ارتفاع وانحدارُ (?)

بينما الناس على عليائها ... إذ هوَوْا في هوَّة منها فغاروا

إنما نَعْمَة قوم مُتْعة ... وحياة المرء ثوب مستعارُ"

لم أدر لِمَ نقل "عمر بن أبي ربيعة" هذه الأبيات في مذكراته، فإنها قائمة وحدها ليس قبلها ولا بعدها شيء يدل على ما أراد من ذكرها، فجعلت أداور الأوراق لعلي أبلغ مبلغًا من توهُّم خبرها الذي سيقت من أجله، وجعل معناها يداور قلبي ويساوره حتى كفت يدي عن الحركة، وسكن بصري على مكانها، وأحسست كأن القدر قد نام في ظلالها كالمارد الثمل طرحه طغيان السكر حيث

طور بواسطة نورين ميديا © 2015