كيف كان. هذه جاريتي ظمياءُ تدخل عليَّ كالمجنونة منذ أيام تقول: "سيدتي، يمين الله أن تكتمي عليَّ ما أقول". فأقول: "أمنت يا ظمياء! ما يروعك"؟ فتقول: "لا والله ما يروعني إلا أن أدع مولاتي توصم بين نساءِ قريش وبني مخزوم، ويتحدث أهل مكة أن أم جوان قد لقيت من البلاءِ كذا وكذا". فأقول: "ويبك يا ظمياء! انظري ما تقولين! ". فتقول: "لا والله إن هو إلا الحقّ، أرأيت إلى تلك البيضاء الصهباء ذات العينين التي مازلت تجيئني منذ أيام، لقد قالت لي في عُرض حديثها: يا ظمياء لقد جئت مكة من بلادٍ بعيدة، وإني لأسمع الناس على الطريق يذكرونها ويذكرون بيت الله الحرام، فما ازددت إلا شوقًا أن أرى بيت الله الحرام، وأن أرى الناس يجاورون هذا البيت العتيق، وما وقع في قلبي إلا أن أرى دنيا لم أرها، وقومًا كتب الله لهم أن يكونوا أطهر وأتقى الناس لله. ولقد خرجتُ من بلادي وهي أبغضُ إليَّ لما أرى من فجور أهلها وانغماسهم في كل إثم وباطل، وكنت أرى أشد أهلنا فجورًا ولجاجًا أولئك الشعراء. ثم دخلت بلادكم وطوّفت فيها ما طوّفت حتى إذا انتهيت إلى أرضكم هذه، لم أزل أعرف الشعراء فيكم أَفْجَر وأفسق وأضلّ".

"فما أطقت أن أصبر يا مولاتي حتى قلت: "مَهْ يا صهباء، وكذبتِ. وأين بنو الأصفر (?) من بني يعرب؟ فإن شاعر العرب ليقول، وإن قلبه لأطهر من أن يدنسه ما يدنس به شعراؤكم أنفسهم يا بني الأصفر. وهذا مولاي وهو أغزل العرب لسانًا، وما علم أحد عليه سوءًا. قالت صهباء: ما أحسن ما رباك أهلك يا ظمياء! وأحسني ما شئت ظنك في مولاك. قلت: تبًا لك. وإنك لَتُرِيغين (?) إلى مولاي منذ اليوم، فلا والله لقد كذبتِ وخسئت أيتها الصهباء الطارئة التي لا مولى لها، فقالت صهباء: كذبتُ وخسئتُ! ما أصدق ما قال مواليك "من دَخلِ ظَفار حَمَّرَ" (?)! وإنك لغريرة يا ظمياء، وأنا الصهباء الطارئة من بنات الأصفر لأَخبَرُ منك بغيب مولاك عمر. قلتُ: كيف قلتِ؟ قالت: إنه الحق، وإن لمولاك غيبًا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015