لتأبى عليّ أن تمتد خشية أن أطلع منها على ما يسوؤني، وهي أحب إليَّ من أن أراها مغمومة أو مكروبة على غير ما عودتني وعودتها. فأستأذنها من ورائه قالت "مهلا يا أبا الخطابِ، وبخير ما جئت". فقلت لنفسي "كذب والله جُوان وما كان كاذبًا". فلما فتحتْ لي الباب رأيتُ سُنَّة وجه كالسيف الصقيل يبرق شبابًا ورضى، وقالت "مرحبًا بك يا عمر، لو رأيت الساعة جاريتي وهي تدخلُ على ساعية تجري تقول: سيدتي أَدْركي مولاي فقد سمعت الناس يتناشدون من شعر قاله اليوم، وإذا فيه.

ليس حُب فوق ما أحبَبْتُها ... غير أن أقتل نفسي أو أُجَن

فاحفظيه يا سيدتي من روعة المصيبتين. فقلت لها: لقد وقى مولاك السوءَ أن ليس بينه وبين الناس إلا لسانه! ولا يقتل مولاك نفسه أو يجنّ حتى يقتل الحمام نفسه على هَدِيله (?) أو يجنُّ".

لم أدر ما أقول، فقد كانت كلماتُ جوان قد تشبحَّتْ لعينيَّ ودوَّت في أذني، فما أطقتُ صبرًا أن أسألها: "ما يقولُ جوان؟ زعم أنك لا تزالين مهمومة لأمر يستخبرك عنه فلا تخبرينه، ولقد مضت السنون بيني وبينك، ولا والله ما علمتُ إلا خيرًا ولا رأيت إلا خيرًا، وما قال إلا ما يجعلني آسَى على ما كان مني إليك مما ساءك أو رابك". وما كدتُ أتم حتى رأيتها تنتفض كالرشأ المذعور أفزعته النبأة (?)، وبَرقَت فتخاذلت وغَرِقَ صوتها فما تنطقُ فخاصرْتها (?) ومشيت بها إلى مجلس في البيت وجلست أتحفَّى بها حتى تهدأ. وبعد قليل ما قالت: "أما إذا كان هذا يا أبا الخطاب فوالله إنْ كتمتُك شيئًا".

ثم أطرقت ساعة، وأنا أنفُذُها ببصرى أطلب غيب ضميرها، ثم رفعت إليَّ بَصَرها ونظرت نظْرَة المرتاب ثم قالت "إني مُحَدِّثتك يا أبا الخطاب عما كان

طور بواسطة نورين ميديا © 2015