الصينية. نعم، وإذا ضل عن تبين الاشتقاق والتصريف، فقد ضل عن العربية كلها، لأنها لم تُبْن إلا عليهما. وهي من هذا الوجه مخالفة لجميع اللغات التي تكتب بالحرف اللاتيني، لأن الاشتقاق والتصريف يعرضان لها من قبل بناء الكلمة كلها، حتى تختلف الحركات على كل حرف في كل بناء مشتق أو مصرف، ثم يزيد على ذلك ما يدخل على الكلمة من جميع ضروب الحروف العاملة وغير العاملة، ثم عِلل الإعراب والبناء والحذف. . . . إلى آخر ما يعرفه كل مبتدئ في العربية.

فإذا كان هذا هكذا، وكان التضليل كائنًا، وكان هذا التضليل واقعًا في أصول الاشتقاق والتصريف، الذي يردّ القارئ إلى أصل المادة اللغوية، وإذا كان الضلال عن أصل المادة ضلالًا عن معناها، فأي السبيلين أغمض وأضل: سبيل عُسر القراءة لعدم (حروف الحركات)، أم سبيل امتناع الفهم لامتناع الاهتداء إلى أصل الاشتقاق؟ ونحن لا نشك في أن كل رجل ذي بصيرة حسن المنطق، سيجد في هذا وحده من المشقة والعسر، وما لا يدع اختيارًا في الاعتراف بالضلال المطبق الذي تجلبه الكتابة بالحرف اللاتيني، وأن التصحيف والتحريف الذي يدخل الحرف العربي أهون بكثير من الاختلال والفساد والمضلة والعبث التي يجرها الحرف اللاتيني.

وإذن فغاية المشروع الذي انتحله، أن ييسر نطق الكلمة المكتوبة في حال إفرادها، غير ناظر إلى سهولة الاهتداء إلى الاشتقاق الذي هو أصل العربية، وأراد أن يأمن الخطأ في الإعراب، والتحريف في ضبط الكلمة، فنسي كل شيء، ولم ينظر ماذا يجلب مشروعه من التضليل والتشويه والتعسير والاستحالة، والغموض الأعمى الذي لا يهدى إلى شيء في هذه اللغة العربية! وهذا وحده عجب أي عجب.

هذه واحدة، ثم زعم الباشا أن الحروف العربية تعوق القراءة، فمهما تعلمها الإنسان فلابد أن يخطئ! وأن هذا المشكل قد عالجه الأقدمون بوضع الشكل، ولكن هذا الشكل قد أفلس، بل كان مجلبة لزيادة التحريف والتصحيف!

هما علتان، ثم علتان ملفقتان قد غلغل فيهما البطلان، ونخرتهما المغالطة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015