لا معدل عنه، أليس هذا هو منطق الناس يا صاحب الحروف اللاتينية، أم تراه ينبغي أن نسير على هَدْى منطقك؟ !

فخذ إليك مادة من العربية مثل "قام"، ثم اجعلها فعلًا، ماضيًا ومضارعًا وأمرًا، وألحق به ما يلحقه من الضمائر، وأدخل عليه ما يدخله من قبل أوله وآخره مثل "فليقمهنَّ" وفي التثنية والجمع، والخطاب والغيبة، ثم أخرج جميع مشتقاته من الأسماء، وألحق بها ما يلحقها، وضعها في حالة الإضافة إلى الاسم الظاهر والضمائر، في التثنية والجمع أيضا، ثم أجمع الأسماء على اختلاف صور الجموع الممكنة فيها، ثم افعل ذلك بالمادة حين يزاد فيها ما يزاد مثل "أقام وقوّم واستقام"، وصرّفها في الوجوه التي ذكرناها، وتبين حركات الإعراب في سياق الكلام، وضع كل ذلك أمامك مكتوبًا بالحرف العربي، ثم بالحرف اللاتيني ذي الحركات التي تجعل الكلمة مرسومة كمنطوقة، ثم انظر إليهما، فهل تستطيع، غير معاند ولا لجوج، أن تميز بين كلمة وكلمة، وأن تتبين الشبه بين هذه المتقاربات من مادة واحدة في اللغة؟ نحن قد جرينا على أسلوب صاحب اللاتينية، فجربنا ذلك بأنفسنا فما اهتدينا ولا أدركنا، وصارت الكلمة الواحدة التي لا تخطئها العين في العربية، ولا تخطئ الشبه بينها وبين صواحباتها، كلمات لا يُدرى ما هي! وهذا شيء قائم على الحس والتجربة والعيان (*).

فإذأ عرف، من لا يستكبر عنادًا ولجاجًا، أن ذلك مما يُضِل ويعمى، نظر فإذا هو يرى أن أول التضليل في رسم العربية باللاتينية، أن يضيع على القارئ تبيّن اشتقاق اللفظ الذي يقرؤه، فإذا عَسُر عليه ذلك صار اللفظ عنده بمنزلة المجهول الذي لا نسب له، وصار فرضًا عليه أن يعمد إلى رسم المادة الواحدة من اللغة في جميع صُورها التي تكون في السياق العربي، ثم عليه أن يحاول تقريب الشبه بالذاكرة الواعية، ثم عليه أن يحفظ معاني ذلك كله. فإذا كان هذا شأنه في المادة الواحدة فما ظنك باللغة كلها؟ يومئذ تصبح العربية أجهَدُ لطالبها من اللغة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015