هذه هي الساعة. . .!

قامت الدنيا وأخدت تعد زينتها لأمر غير ما مضى من أمرها. إنها لابد أن تتبرج لعيون عشاقها، ممن كتب لهم أن يشهدوا مشهدًا آخر من فصول الرواية الإنسانية التي تمثل في ساحاتها. نعم، فإن الحرب المهلكة التي لا تزال تقعقع من شواهقها حين تنقض، أو تزحر وتئن تحت أثقال الوقائع -لا تلفت الحياة الدنيا عن عملها في تلبيس العيش بالفتنة لمن يعيشون، ولا عن تقديم اللذة لمن يشتهون، وكأن هذه الحرب إن هي إلا تضخيم عظيم لعمل العامل في إزالة التطرية (التواليت) عن وجه الغانية، ونسف التطريف (المانوكير) عن بنانها، وما سوى ذلك من إعداد الغانية الحسناء لتبدو مرة أخرى في حلي وبهاء وزينة.

لا أتشاءم ولا أتفاءل، فالقدر قد قضى على الدنيا قضاءه، وما ندري ما يراد بنا منذ اليوم! فرب شر نتوهمه كذلك قد احتقب (?) الخير، ليرمى في أرجاء الدنيا غرسًا جديدًا في أرض جدد ثراها ما أصابها من تدمير وهدم. إن بعض القسوة في الحياة يكون كتشذيب الشجر في إبانه، يقطع منه ليزداد قوة على إثبات وجوده وتقرير حقه في البقاء ناميًا فينان يسمو وينتشر ويخضر ويثمر. وقانون الفطرة الذي تجرى أحكامه على الطبيعة لتتجدد، لا يخطئ ابن الطبيعة يعمل فيه، ليصنع له حياة جديدة تثبت أن وجوده على الأرض حقيقة نامية أبدًا، إن يكن الماضي قد باد في التاريخ، فإن الحاضر يثبت إثباتًا عمليًّا أنه مستمر في الحاضر، ويكون استمراره في الحاضر دليلًا على امتداده إلى المستقبل. ويكون من جميع ذلك أن الحياة الدنيا مهما أصابها من شيء باقية، ولا يمحوها إلا القانون الآخر الذي يجعل لكل أول نهاية ينتهي إليها. فإذا جاء أوان هذا القانون فقد بطلت حيلة المحتال.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015