وتتفتح، كما تنمو الزهرة في أكمامها تحت السَّحر في مهد الفجر بين روح وشعاع وندًى.

واجتمعا. . . فإذا هي غادة مضيئة تزهر. ولكأن الزمن اختطفها كل هذا الدهر وتسلل بها في بعض مصانعه العجيبة، وجعل يجهد جهده بأنامله النابغة الدقيقة، فهو يجلوها ويصقلها حتى إذا فرغ من فنه الذي احتفى لها به، ردَّها إليه ينبوعًا من النور الضاحك المرح يترقرق لعينيه ممثلًا في صورتها. . . لقد شبت الصغيرة، ولكن شبابها كان رقَّة وحنانًا في أُنوثتها، واستوت فكان استواؤها دقَّة في فن من جمالها، ونمت نموًّا وضّاحًا، وكأنما كان يَغْذوها نور الكواكب ويُرْضعها روح الزهر. . . لقد وجدها وهي تضوع وتلألأ من جميع نواحيها. . . لقد كان يخيَّل إليه أن النسيم من حولها يطوف بها متعبِّدًا خاشعًا ثم يسعى إليه حاملًا نفحة من نفحات الجنة. فكان يحس دائمًا أن جوها ينتقل إليه فينفذ إلى قلبه، فيقعد هناك يتمتم يحدِّثه بأخبارها أو يصفُ له منها ما يُوعِب هذا القلب الحزين افتتانًا ولوعة وحنينًا.

لقد شبَّتِ الصغيرة. . .، فنَضَتْ عنها كل مطارف الطفولة، وتجلَّت جَلْوة العروس في زينة من الصبي والشباب. لقد خلعتْ كل قديمها، ولكن شيئًا واحدًا بقى كما هو، لا بل بقى أقوى مما كان وأصفى. تلك هي روحها، الروح القوية الآسرة المتسلطة. تغيَّر كل شيء إلا عيونها التي تشفُّ عن هذه الروح التي لا تتغير. فالنظرة الباسمة الخاطفة التي كانت تخضع بها تمرد ذلك الصبي العارم الصغير، هي هي النظرة الباسمة الخاطفة التي هجمتْ منه على الرجل فأضاء وميضها له الطريق، وحبسته بأمرها وسلطانها على هذا الطريق نفسه وفي وقت معًا. . .

ثم نحا صاحبي بصره إلى قِطْع من الليل جاثم من عن يمينه وأطال النظر في جوفه. ثم خيل إليّ أنه قد جعل يصغى إلى همس الليل، ويتسمع وسوسته الخافتة إلى رمال الصحراء، وبقى زمانًا لا يكاد يتحرك، ثم انتفض في مكانه انتفاضة خفيفة، ما رأيتها ولكن رعدتها جرت في دمي وأوصالي قشعريرة عرفتها.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015