مصابه في ابنه، فما مصابه في نفسه إلا أن يكون الخبر إذ يبلغه؟ وسأحتال له. قال أمير المؤمنين: مهلًا يا عمر، لقد علمت أن أبا عبد الله [عروة بن الزبير بن العوام] كان قد اشتكى رجله وما زال يشتكي، فبينا نحن الساعة جلوس إذ دخل علينا "أبو الحكم" الطبيب النصراني، فاستأذنت أبا عبد الله أن يدَع "أبا الحكم" حتى يرى علة رجله، فما راعنا إلا "أبو الحكم" يقول إنها الأُكلة، وإنها قد ارتفعت تريد الركبة، وإنها إذا بلغت الركبة أفسدت عليه جسده كله فقتلته، فما بُدٌّ من أن تقطع رجله الساعة خشية أن تدب الأكلة إلى حيث لا ينفع القطع ولا البتر.
فوجَمتُ والله لهذا البلاء، وقد اختلف به القدَر على شيخ مثل أبي عبد الله في إدبارٍ من العمر، وأخذ أمير المؤمنين بيدي وقام. فدخلنا مجلس الخلافة وإذا وجوه الناس قد جلسوا إلى عُرْوة أبي عبد الله يواسونه ويصبّرونه ويذكرونه بقدَر الله خيره وشرِّه، وإذا فيهم سليمان بن عبد الملك أخو أمير المؤمنين، وعمر بن عبد العزيز، والقاسم بن محمد، وعبد الله بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، وقد حضره ولده هشام فأرَمَّ (?) قد انتُسف لونه من الحزن على أخيه والرحمة لأبيه. وأقبل أمير المؤمنين وأنا معه على عرْوة، فتفرق الناس إلى مجالسهم، وإذا عُرْوة كأنْ ليس به شيء، يرفُّ وجهه كأنه فِلْقة قمر وهو يضحك ويقول: لقد كرهت يا أمير المؤمنين أن يقطعوا مني عضوًا يَحط عني بعض ذنوبي، فقد حُدّثنا أن أبا بكر قال: يا رسول الله كيف الصلاح بعد هذه الآية {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ}، فكل سوءِ عملناهُ جزينا به، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: غفر الله لك يا أبا بكر؛ ألستَ تمَرضُ؟ ألستَ تَنْصَبُ؟ ألست تحزَن؟ ألست تصيبك الَّلأْوَاءُ (?)؟ قال: بلى يا رسول الله. قال - صلى الله عليه وسلم -: فهو ما تُجزَون به، فإن ذاك بذاك. لَوَدِدْت يا أمير المؤمنين أنها بقيتْ بدائها فهي كفَّارةٌ تحتُّ الذَّنْبِ.