وتحادثه، فلم تلبث أن سألته: وأين زينُ المواكب (?) يا أبا عبد الله؟ فقال لك: أمامَك، فأردت تركضُ راحلتك تطلبُني، فقال لك: يا أبا الخطاب، أوَ لسنا أكفاءً كِرامًا لمحادثتك، ونحن أولَى أن تسايرنا، فقلت له: بَلَى، بأبي أنت وأمي يا أبا عبد الله! ولكني مُغرًى بهذا الجمال اتّبعهُ حيث كان، ثم عدلتَ بِراحلتك وضربتها وأقبلتَ إليَّ، وجعل أبي يتعجب منك وَيضحك، وقد استنار وجهه. . . إحدى سوآتك هي والله يا أبا الخطاب. . .
فضحكت لقوله وتناقلنا الحديث وإذا هو ساكنٌ ساجٍ كأنما غشيَته غاشية همٍّ، فقلت: ما بك يا محمد؟ فزفر والله يا أمير المؤمنين زفرة كأنما انشقت لها كبدي، ثم قال: أرأيت هذا الجمال الذي تبعته يا أبا الخطاب، يوشك أن يكون طعامًا يلحسه تراب القبر فما ترى إلا عظما أغبر من جمجمة تقذف الرعب من محجريها. لقد روَّعني والله يا أمير المؤمنين حتى تطيَّرتُ وما بي الطيرَة، فأردت أن أصرفه عن بعض وهمه أن يكون الصيف قد أوقد عليه حرّه فحيّره. فانطلقنا جميعًا [يعني هو وهشام ومحمد] إلى سطح البيت نستظل بظلته ونستروح النسمات وأقبلنا نضحك ونعبث ونلهو من بعض اللهو، وإذا طائر يحوم يصفق بجناحيه ثم رنّق فكسرهما من الإعياء ثم سقط ثم درج ثم اضطرب قد كاد يقتله الظمأ. فجرى إليه "محمد" ليأخذه فَيبُلّ ظمأه. فخفّ الطائر فهوى إليه محمد ليدركه، فما نرى والله محمدًا .. قد اختطفه أجَله فجذبه فهوى به إلى اصطبل الدواب، فيقعِ بينها فيثيرها فتهيج، وإذا "زين المواكب" تحت سنابكها تضربه، فما أدركناه والله يا أمير المؤمنين إلا جثة قد ذهب رأسها، وما نرى إلا الدم. . . رحمة الله عليه، لقد. . .
قال أمير المؤمنين: إنا لله وإنا إليه راجعون، وإنا لله وإنا إليه راجعون، فكيف نحتال لهذا الأمر يا ابن أبي ربيعة؟ قلت: فيم الحيلة يا أمير المؤمنين وقد ذهب القدر بما يُحتال له! فقال: أههنا أنت يا عمر، نمت وسار الركب، هذا أبوه أبو عبد الله شيخ كبير يوشك أن يصاب في نفسه، قلت: يا أمير المؤمنين، هذا