الصعب، فكان أولى بك أن تهملنى، فأما إذ أبيت فلا بأس عليك إذا أنا أقحمت نفسي معك، فاصبر على هذا البلاء "فالحرُّ يظلم أحيانًا فيَظَّلم".
وقد زعموا -أيها العزيز- أنه كان رجل عِبَادِىٌّ بالحيرة البيضاء، فلاقى ضحضاحًا من الماء لابد له أن يجوزه ويخوض فيه، فاستعان الله وأقبل على الماء -وهو إلى الكعبين حسبُ- فلما دخله صاح: "الغريقَ، الغريق! " يستنجد أصحابه، فتناولوه يسألونه: ما دعاك إلى هذا وليس غرقٌ؟ فقال: "أردت أن آخذ بالحزم".
وأنت -أيها الصديق- تأخذ بهذا الحزم، فتهرول إلى "لسان العرب"، و"أساس البلاغة" و"الألفاظ الكتابية" تحشد لي ما جاء فيها من مادة العربية في قولهم "زلزل" ولا تكتفي بهذا بل تسعى إلى "الأغانى" (طبعة بولاق! ) تقلب أوراقه، تستخرج تراجم المغنين وأصحاب الملاهي كإسماعيل بن جامع وإبراهيم ابن ميمون الموصلي -وغيرهما في دواوين العربية وأصولها- فتفلِّي ألفاظها وتجري عينيك وراء إصبعك على حروف الكلمات عساك تقع على جملة يكون فيها "زلزل" وما يخرج منها وما يتداعى إليها، ولا تكتفي أيضًا فتتناول من بين كتبك أحد فهارس القرآن الكريم -"وهو الحجة العليا في مثل هذه المشكلات" -كما قلت وإن لم تقل- فتجد اللفظ في آيات بينات منه. فتجمع ذلك كله في مقالك -أو ردِّك عليَّ- حشدًا بارعًا عظيما تُضاهي به عمل "المستشرقين" الثقات الأثبات المتضلّعين المتقنين المجيدين! الذين لا يدعون للحرف مكانًا إلا نبشوه وتقصوه ورموا بعضه فوق بعض "أخذًا بحزم العبادي. . . ." الذي عَرَفْت. وهو أسلوب فاسد عندنا لا يعول عليه في الحجة، وإنما هو أسلوب ضروري حسن حين راد منه المقارنة والتدبر لاستخراج المعاني من الألفاظ وبيان سرها من الحقيقة والمجاز ودقة التصوير للأغراض التي نصبت لها هذه الألفاظ.
والنصوص التي جمعتها وحشدتها ورتبتها تختلف في حقائقها ومجازها في العربية، وأنت لم تشرح حرفًا واحدًا منها تبين عن وجه مجازه على العبارة التي وقع عليها، ولو كنت فعلت ذلك أو أحسنته لطويت كل الذي نشرته عليّ وعلى