بتماثيلها الغريبة المتقنة المختلفة الدلالات على المعاني الدينية المصرية القديمة، وعلى الأصول الاجتماعية الخاضعة للوثنية الفرعونية التي كان يعيش عليها الشعب المصري القديم. فهذه الديانة القديمة الجاهلية التي عبدت أوثانها وتقدست بعقائدها الباطلة، وخضعت لأساطيرها الرهيبة المخيفة، واستمدت تهاويلها من الإيمان بجَبْريَّة هذه الأوثان والقوى الطبيعية المختلفة كالشمس والنيل والتمساح وكذا وكذا من الأوهام الغالية، هي التي أنتجت هذا الفنَّ المصري القديم بمعابده وتماثيله وكتابته الهرغليفية المعبِّرة أدقَّ تعبير عن حقيقة المدد الفني للآثار المصرية الفرعونية.

والفنَّان الفرعوني لم يستطع أن ينشيء هذه الآثار الهائلة الغريبة التي بقيت هذه القرونَ الطوال تتحدى الزمانَ المُتطاوِل عليها، ولم يمنحها هذا الجبروتَ الهائل والاستبداد الطاغي إلا بالقوة التي أنشأتها ودبرتها له عقائدُه الوثنية الرهيبة، وإيمانُ المجتمع المصري بها إيمانًا خاضعًا مُتعقبًا أيضًا، وأعانتها الطبيعة الجغرافية المصرية العظيمة بشمسها وقمرها وصيفها وشتائها، وصحرائها التي تحفُّ بالنيل العنيف المتدفق بسلطانٍ طاغٍ كسلطان الفراعنة الملوك. كل أولئك أثار الفنانَ وأمد إحساسه المرهف بالمادة التي استطاع أن يصوغ فيها فنه الوثني العبقري.

وعلى ذلك فيجب أن نقرر أن الفن المصري الفرعوني -على دقته وروعته وجبروته- إن هو إلا فنٌّ وثَنىٌّ جاهلىٌّ قائمٌ على التهاويل والأساطير والخرافات التي تمحقُ العقل الإنسانيّ، فهو إذن لا يمكن أن يكون مرة أخرى في أرض تدين بدين غير الوثنية الفرعونية الطاغية -سواء أكان هذا الدين يهوديًّا أم نصرانيًّا أم إسلاميًّا أم غير ذلك من أشباه الأديان.

تمثال نهضة مصر

وهذا "تمثال نهضة مصر" القائم في "ميدان المحطة"، والذي أقامه المَثَّال القدير "مختار"، أنا أراه فلا أرى فيه إلا تقليدًا فاسدًا لآثار حضارة قد دثرت وبادت ولا يمكن أن تعود في أرض مصر مرة أخرى بوثنيتها وأباطيلها وأساطيرها

طور بواسطة نورين ميديا © 2015