الفن

كنت أرجأتُ الحديث عن "الفنّ الفرعوني" الذي أراد الدكتور طه حسين أن يجعله أحد العناصر في "الغذاء الروحي والعقلي للشباب" في عصرنا هذا، وهو رأْي متداولٌ قد دعا إليه فلان وفلان ممن استطارتهم العصبية فعصفت أعاصيرها بعماد الرأي وحسن البصر وكمال التقدير لما ينبغي أن نقيم عليه حضارتنا المصرية الإسلامية. والعصبية هي دليل الضعف، وهي الآفةُ التي تتخون الرأي، وهي الهدْم الذي يأتي بنيانَ العقل والعاطفة من القواعد حتى يدمّره تدميرًا. وسنوجز القول ما استطعنا، فإن الإفاضة والشرح والبيان مما لا يتسع لها هذا الباب.

فالفنان هو القلب النابض الذي يُفضي إليه الدمُ الحي الذي تعيش به حضارة أُمته في عصره، وهو الفكر القلق النافذ المتلقف الذي ينقد الحياة الاجتماعية في عصره يألفها أو يُنكرها، وهو العبقرية المارِدة التي لا تخضع إلا لناموس الحياة الأعظم. والفنان بطبيعته الإنسانية فكرة معبرة عن حقيقة الاجتماع الإنساني الذي يعيش عليه، وعن طبيعة الأرض التي يمشي فيها، والسماءِ التي يَستظلُّ بها، وكل أولئك ينشيء للفنان أفكارًا وأَخيلة وأحلامًا تستمد غذاءَها من ينبوعها الذي يتفجر بين يديه ولعينيه وفي قلبه.

ونحن لو تتبعنا الآثار الفنية وتاريخها في كل أجيال الناس من الهند والصين والعرب والترك والروم، وكل الأمم القديمة، وسائر الأمم الحديثة لم نخطئ أَثر الحياة الاجتماعية في الأثر الفني، ولا أثر الطبيعة الجغرافية في جوّه الفني. ونعني بالحياة الاجتماعية كل ما تقوم عليه من الدين وعقائده وشرائعه، وما يتميز به العصر من الأخلاق والعادات والوراثات والأساطير الشعبية التي انحدرت إليه من القدم، ثم سائر أسباب الحضارة المعاصرة بكل مادتها وألوانها وحقائقها وأباطيلها. وأما الطبيعة الجغرافية، فهي صورة الأرض بنباتها وأنهارها وفدافدها (?)

طور بواسطة نورين ميديا © 2015