يظن ظان أن هذا عمل آخر هو غير عملها في استبانة صور المعاني القائمة التي كانت في نفس منشئها، والتي هي في الحقيقة ما نسميه "البلاغة". وخفت أيضًا أن يتوهم متوهم أن أحد العملين ممكن أن يتم بمعزل عن العمل الآخر. ليس كل ذلك صحيحا أو ممكنا، لأن صاحب "الإبانة" و"الاستبانة" واحد غير قابل للتجزئة، وهو "القدرة على البيان" ولأن طلب "الاستبانة" لجميع ما تطلبه في "الكلام" المتلقى من خارج متداخل ممتزج في حيز واحد هو نفس "الكلام" المتلقى من خارج، ولأن جميع ذلك حدث واحد متلازم أيضًا في زمن واحد مختطف متلاحق لا يمكن تثبيته أو تقسيمه. وإذن، فهو على التحقيق عمل واحد خاطف لا يتجزأ، وإنما نحن الذين نتولى الفصل بين شيء منه وشيء بعد تمام العمل الواحد جميعه، على قدر ما عندنا من الرغبة وتوجيه العناية إلى إبراز شيء منه دون شيء.

وأظنه صار قريبا ممكنا أن نتخطى كلاما كثيرا ونفضى إلى نتيجة موجزة، هي أن "التذوق" يقع وقوعا واحدا، في زمن واحد، على كل "كلام"، بليغا كان أو غير بليغ. ثم يفصل عن "الكلام" ومعه خليط "واحد" ممزوج متشابك غير متميز بعضه من بعض. وفي هذا الخليط أهم عنصرين.

العنصر الأول: ما استخرجه "التذوق" من العلائق الباطنة الخفية الناشبة في أنفس الأحرف والكلمات والجمل والتراكيب والمعاني. وهذا في جملته يجعلنا قادرين على أن نستخلص منه ما يحدد بعض الصفات المميزة التي تدل على طبيعة منشيء الكلام، أي على بعض ما يتميز به من الطبائع والشمائل، أو ما شئت من هذا الباب.

والعنصر الثاني: ما استخرجه "التذوق" من العلائق الظاهرة بين أنفس الأحرف والكلمات والجمل والتراكيب والمعاني، وهذا في جملته يجعلنا قادرين على أن نستخلص منه ما يحدد بعض الصفات المميزة التي تدل على طبيعة الكلام نفسه، أي على ما يتميز به من "السذاجة" و"البلاغة" أو ما شئت من هذا الباب.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015