الذي يُعيدُ نظامها"، "لا يمكن أن أعاشر الطيور والوحوش. . . وإذا أنا لم أعاشر هذه الأمة، فمن أعاشر؟ لو كانت البلاد تحت سياسة عادلة لما كنت في حاجة إلى أن أُحاول إعادة نظامها". . .
هذا وغيره من تاريخ الأمة الصينية وتاريخ فيلسوفها يعلمنا أن أول نظام كان إنما كان بالصين، فإن شئت أن أقول الهند وأسوق الدليل فعلت. فأنت ترى أن المذهب يتسع في الحضارات القديمة لكل رأي يحتمل به صاحبه إن شاء. واليونان من الأمم القديمة ذات الحضارات القديمة، وإنما نفَعَها وجعَلَها مثابة لبحثِ كلُّ باحثٍ يريدُ أن يردَّ إليها مذهبًا من المذاهب، بقاءُ كثير من آثارها. ثم قيام أوربا الحديثة بإحياء ما طَمّ عليه الزمن من مدنيتها، وأخفى أمر الحضارات الأخرى ضياع أكثر آثارها أو بقاؤها في قبر من الإهمال والنسيان، وهمود النشاط في البلاد الشرقية التي هي أحق بإحياء آثارها. هذا قليل من كثير يمكن أن يقال في مثل هذا الأمر من أمور التاريخ القديم.
وبعد هذه المقدمة، ساق الدكتور طه حديثه ببراعته التي لا يستعصى عليها غامض ولا بعيد ولا متشامخ. وأنا وإن كنت أظن أن الدكتور طه لم يوفق في كلمته كل التوفيق ولم يمس أغراضها إلا مسًّا رفيقًا غامضًا بعيدًا، فإني أعترف بأنه قد استطاع بحسن تحدُّره في المعاني أن يثير من الآراء ما يجبُ أن يُثَار في أفكار هذا الجيل، حتى يمكن بعد ذلك أن نستصلح من أمورنا ما أفسده طغيان الجهل واستبداد الحاكمين، وتوالي المصائب المرهقة على شعب نائم لا يستطيع أن يدفع عن نفسه أسبابها، ولا أن يذودَ الوحوش الضارية التي فَرَضَتْ عليه بالاستعباد أقسى ما يمكن أن تبتدعه من ضروب الفتك والعدوان.
فأهم ما تناوله الدكتور في حديثه هذا هو بيانُ موقف الحكومة من الأمة التي رضيتها أن تقبضَ على زمام الأمر فيها تصرفه بما ينفع الناس ويزيدهم قوة على قوتهم. فالأمم كلها قد أسلمت إلى حكوماتها أمر القيام على الثقافة والتعليم، وأعطها من حُرِّ مالها ما تستطيع أن تنشيء به نظامًا كاملًا للتعليم يكون فيه رضى