أن نقطعها حتى نبلغ الحد الفاصل بين الثقافة والحضارة، وتتمكن مرة أخرى من أن تسيطر بسلطانها على الفكر والعلم، وعلى هداية الأمم، وعلى عمارة الأرض وعلى الصناعة والتجارة، وعلى كل أسباب القوة التي ترغم العالم مرة أخرى على أن يعترف لنا بحضارة مجددة شريفة لها الغلبة والسيادة، بلا بغى ولا عدوان ولا إذلال ولا ابتزاز ولا مهانة ولا تحقير لمن يجاورنا أو يعايشنا أو يهادننا أو يعادينا.
والصراع الدائر اليوم بين الثقافة العربية الإسلامية التي نحن ورثتها وبين الثقافة الغربية المسيحية قد جمع أكبر همته في ميدان اللغة لأنه يعرف هذه الحقيقة التي بينتها، فبدأ دعوة هذه الأمم العربية المتفرقة إلى اتخاذ العامية الإقليمية لغة سائدة في كل إقليم عربي لكي يحطم هذا الأصل الحامل لثقافتنا وديننا، وليزيد في تمزيق حياتنا وتدميرها، وبلغ دعاته بعض مأربهم. ولا يتسع الوقت لبيان حقائق هذه المعركة، ولكني أذكر لكم أن كاتبا مسيحيا (?) كتب منذ سنوات يتمنى أن يرى عاملا عسكريا سياسيا يفرض اللغة العامية على العرب، ثم قرأت لكتاب عرب مسلمين كلاما يطالبون فيه بإسقاط اللغة الفصحى. فهذا نذير، من نذر، بأن قيام "العامل العسكري السياسي" الذي يرجوه الكاتب المسيحي ليس بالأمر البعيد.
هذه النذر المخيفة التي أحببت أن أختم بها كلمتى، تدل على جزء من هذا الصراع المر بين ثقافتنا وثقافة عالم الاستعمار (?)، يوجب علينا جميعا أن نعيد النظر في أساس التعليم كله من المدرسة الابتدائية إلى الجامعة، كما فعلت كل أمم الحضارة الحديثة وكما فعلت كل الحضارات السالفة، لكي نجدد حياة هذه اللغة الحاملة لتراث ثقافتنا العربية الإسلامية والتي لا نستطيع بغيرها أن نجدد ثقافة عربية إسلامية تقطع الطريق إلى حضارة عربية إسلامية متجددة. ومعنى ذلك أن