ثيابه، وما يحمله في يده، وما شئت من أمثال هذه المميزات، كان خليقا أن يعرفه لأول وهلة يراه فيها: هذا مثل أردت به تقريب تصوير هذه الصعوبة في الحديث عن (الثقافة).

ولفظ الثقافة مستحدث في لغتنا، بل في لغات العالم أجمع، وقد وقع الاختلاف في تحديدها وتعريفها حتى صار اختلافا يخرج من النقيض إلى النقيض، وكأنها ليست لفظا قابلا للتحديد والتعريف. بل رمزا غامضا لحركة دائمة في حياة كل شعب، في أحواله المختلفة، في حالة تفجره وغليانه حتى يصبح مؤسسا لحضارة في طريقها إلى العمل والتميز والتفوق، أو في حالة سكونه حين يصبح وارثا لحضارة قد فقدت قدرتها على العمل والتميز والتفوق. وهذه الحالة الأخيرة، هي الحالة التي تكون فيها ثقافة الشعب قد تفككت بتفكك أفراد الشعب في أنفسهم وما يتبع ذلك من تفكك المجتمع المكون من هؤلاء الأفراد. ومع كثرة الاختلاف في تحديد لفظ (الثقافة) في زماننا فنحن نجد أنهم يحاولون أن يضعوا مميزات تميز ثقافة شعب من ثقافة شعب آخر، وتكاد تنحصر هذه المميزات في (العقائد) و (الأخلاق) و (العادات) و (التقاليد) و (الأفكار) و (اللغة) ولا شك في صحة هذه المميزات من ناحية النظر المجرد، ولكنها مميزات مبعثرة. وقد أراد بعض الغربيين أن يجمعها في سياق واحد فقال: إن ثقافة الشعب ودين الشعب، مظهران مختلفان لشيء واحد لأن الثقافة في جوهرها تجسيد لدين الشعب. وقال أيضا: (إن السير إلى الإيمان الديني عن طريق الاجتذاب الثقافي ظاهرة طبيعية مقبولة)، وهو تعبير صحيح في جوهره يجمع هذه المميزات المبعثرة في إطار واحد، ويجعل تمييز ثقافة من ثقافة واضحا من خلال النظر في أصول التدين الذي هو فطرة في طبيعة الإنسان حامل الثقافة ومؤديها إلى من بعده.

ومع ذلك فإني أحب أن أوضح هذا بعبارة أخرى فأقول إن ثقافة كل شعب هي تراثه البعيد الجذور في تاريخه المنحدر مع أجياله ينقله خلف عن سلف. وهذا التراث مكون من أفكار ومبادئ يحملها أفراد الشعب على اختلاف طبقاتهم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015