والأنقاض والتراب الذي غطى على (ثقافتنا) حتى نملك ثقافتنا ونأخذها بقوة واقتدار، في هذه الفترة الحرجة التي تعانيها حضارة عالم الاستعمار في ساعة تقوضها ودمارها. وقبل كل شيء ينبغي علينا، ولاسيما ناشئتنا، أن نعرف تمام المعرفة أن الشعار الذي ترفعه الحضارة الغربية، وتلح على إذاعته وبثه في العالم كله، بادعائها أنها "حضارة عالمية" إنما هو شعار مزيف وغش فاضح، تريد أن تفرضه فرضا على العقول حتى تستسلم، وتنفذه إلى غيب الضمائر حتى تتخدر. وحقيقة الشعار، كما هو واضح في دنيانا، أنها حضارة خاصة بأقوام بأعيانهم، يرون أن لها الحق كل الحق في السيطرة على العالم، وإذلاله وترويضه واستغلاله لتطيل بناءها على الأرض.

هذه هي الحقيقة المجردة من الزيف والغش. والحقيقة الأخرى أنها تريد أن تبيد (ثقافة) كل شعب من شعوب عالمنا هذا، لتحل محله قشورا مزيفة من ثقافتها هي، بشعار آخر يتولى إذاعته وبثه أصحاب دعوات خبيثة، بكثرة إلحاحهم على إقناع جماهير قرائنا وناشئتنا في عالمنا العربي الإسلامي وهو شعار (وحدة الثقافة الإنسانية).

وتعريف (الثقافة) ليس سهلا ميسورا كما نتوهم عند أول النظر. لأن مفهوم الثقافة لا يتم إلا بعد مراحل متداخلة متطاولة الأزمان، يقطعها الشعب بين مئات من فترات الارتفاع والانخفاض والتقدم والتأخر والحركة والسكون، والوضوح والغموض وهو في خلال ذلك يجيش ويتجمع حتى يتحقق له أسلوب حياة مركب شديد التعقيد يكاد يستعصى على التحليل الصحيح الواضح لمقوماته المميزة، التي ترى، ولكن لا يحيط بها الوصف إحاطة كاملة. وأضرب مثلا قريبا. فأنت ترى رجلا بعينه، فتعرفه وتميزه، ولكنك إذا أردت أن تصفه لصديق لك لم يره قط من قبل، فإنك لا تستطيع أن تبلغ بالألفاظ التي تصف بها ملامح وجهه وحدها إلى درجة تجعل هذا الصديق قادرا على معرفة هذا الرجل إذا رآه في مكان ما، فيقول: هذا هو الرجل بعينه، الذي وصف لي. ولكنك إذا زدت مع وصف ملامح الوجه صفة بعض الأشياء المميزة لحركته في مشيته مثلا، ولون

طور بواسطة نورين ميديا © 2015