هدف لا غنى لنا عنه، وينبغي أن يكون واضحا كل الوضوح في أفهامنا وفي نظرنا، وفي تخطيطنا، وأن تتعلق به إرادتنا تعلقا لا يتخلله عجز أو تردد.

عالم الاستعمار يعلم علم اليقين أن عالمنا نحن، سوف ينتهي عاجلا أو آجلا إلى الإصرار على محاولة تحقيق هذا الهدف، فمن الغفلة أن نظن أنه سوف يتركنا اليوم نعمل بإرادة طليقة تكفل لنا بلوغ ما نريد. وهذه قضية واضحة، وإن كان بعض الصخب واللجاجة قد أخفى عنا كثيرا من معالمها البينة، وسوف تزيدها الأيام جلاء وبيانا.

وإذن، فنحن نعيش اليوم في حومة الصراع، صراع لن يفتر ولن ينقطع. صراع إرادة كانت مغلولة اليدين زمنا طويلا، وقد آن لها أن تفض أغلالها بالحزم والعزم حتى تتحرر، وإرادة ظلت طليقة دهرا طويلا، ولكن دُولَة تاريخ الحضارات قاضية عليها أن تلحق بأخواتها من الحضارات التي بغت في الأرض وضلت الطريق المستقيم.

وقد أَلِف كثير من الكتاب أن يعدوا هذا الصراع المستمر، صراعا بين الحضارة العربية الإسلامية والحضارة الغربية المسيحية، أي بين الحضارة التي يتصور عالمنا أنه يمثلها، وبين الحضارة التي يمثلها اليوم عالم الاستعمار. ولكني لا أرتاب في أن وضع القضية في هذه الصورة خطأ بيَّن، ساقنا إليه قلة احتفالنا بتحديد معاني الألفاظ، وغفلتنا عن دلالاتها الصحيحة، وكل تهاون في تحديد معاني الألفاظ وفي تحديد دلالاتها، مؤد إلى تيه لا ينتهي الضلال في فيافيه. وليس من الحكمة ولا من العقل أن نعود أنفسنا وأبناءنا عادة مميتة قاتلة، وهي عادة التهاون في العمل أو في الفكر. وإذن فلا مناص لنا من أن نعرف على وجه التحديد معنى هذا اللفظ المألوف الذي نستعمله في غير مكانه. وكل ما نسميه (حضارة) مما تداولته أمم الأرض منذ أقدم الأزمان دال على أن (الحضارة) بناء متكامل، لا تستحقه أمة إلا بعد أن تجتاز مراحل كثيرة معقدة التركيب، حتى تنتهي إلى أن يكون لأهلها سلطان (كامل) على الفكر، وعلى العلم، وعلى عمارة الأرض، وعلى أسباب هذه العمارة من صناعة وتجارة، وعلى أسباب

طور بواسطة نورين ميديا © 2015