ابن معاوية فروى أن يزيد "كان فتى شراب ولهو يبلغ فيه إلى حدِّ التفاهة، فيعني بتدليل القرود وتربيتها، أكثر مما يعني بسياسة الحكم ومصالح الرعية. . . إلى نزق وطيش وفتون". ومن المفيد أن أنقل مع هذا أيضا قول قائل آخر في صفة يزيد "ويزيد هذا شاب خليع لا يصلح أن يلى أمر مدرسة ابتدائية، بله أن يقف على منبر الرسول، ويحل مكان أبي بكر وصحبه".

وما كنت أظن قط أن عاقلا يرتضى لنفسه مثل هذا الزلل، فإن معاوية عند هؤلاء إنما دبر الأمر تدبيرًا هو وعمرو بن العاص وأشباههما (كما يقول)، حتى يأخذ الخلافة فيجعلها ملكا عضوضًا لبنى أمية أو بني عبد شمس. فالذي يفعل ذلك، ويستخلص الملك لنفسه وأهله من جمهور أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ليقيم عرش بني أمية على أكبر رقعة من الأرض متباعدة الأطراف، لا يفعل ذلك إلا وهو يريد المحافظة على هذا العرش وحياطته وتدبيره حتى يصبح ملكًا متوارثًا فيما يزعمون. هذا صريح العقل فيما أظن. فهب أن معاوية - رضي الله عنه - كان فاسد الدين مبدلا مغيرا مفتاتًا على أهل الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها، أفكان أيضا فاسد العقل والتدبير؟ ولو كان فاسد العقل والتدبير، فكيف استطاع أن يصل إلى حكم أهل الشام عشرين عامًا في ولايته وعشرين أخرى في خلافته؟ وأي فساد في عقل إنسان يجاهد بسوء نيته عشرين عامًا لإقامة ملك عضوض، ثم يورث هذا الملك شابا يصفه واصف بأنه فتى لهو وشراب يبلغ إلى حد التفاهة، يعني بتربية القرود وتدليلها أكثر مما يعني بسياسة الحكم ومصالح الرعية، إلى نزق وطيش! ! ويصفه آخر مثله بأنه شاب خليع لا يصلح أن يلى مدرسة ابتدائية بله أن يقف على منبر الرسول (- صلى الله عليه وسلم -)، ويحل محل أبي بكر وصحبه (-رضي الله عنهم-)! ! أليس هذا عجبًا عاجبًا؟ ولكن لا عجب في زماننا مع الأسف! ولا عجب مع اللجاجة والهوى وافتراء الألسنة وتهور الأقلام! ومن العبث عندي أن يجادل المرء أمثال هؤلاء. وسأتناول الآن كتابا للبلاذُرِى (توفي في نحو سنة 280)، ويقول عنه مؤرخوه إنه كان "عالمًا فاضلا شاعرًا راوية نسابة متقنا، وكان مع ذلك كثير الهجاء بذئ اللسان أخِذ الأعراض". فإذا البلاذرى هذا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015