معرفته بخُلُقي، ويقينه من نُفُوري من المؤامرات والدسائس - فما ذلك بنافِعي عندَه، ولا بمُبْرِئِي من سوء ظنّه. وأنا أعرف صديقي. فلم أقل شيئًا، ولم أحرّك ساكنًا، حتى أستبينَ عاقبةَ أمرِه.
ثم جاءني بالبريد، العددُ التالي من مجلة (الهدي النبوي) - عدد رمضان وشوال سنة 1374 - فتحقّق ما استيقنْتُ من قبل: طوى مقالي فلم ينشره، ولم يؤدّ الأمانة التي اؤتُمن عليها. ووجدتُ بدلًا منها مقالًا بقلمه، يبرأ فيه من رمي شيخ الإسلام ابن تيمية بالكذب، وحسنًا فعل. وليته اكتفى بهذا فسَتَرَ نفسَه! ولكنه ذهب يتأول كلامه لينفي عن نفسه التهمة، بطريقةٍ عجيبة، تثبت عليه الذي يتبرأ منه، والذي كنّا نحسن الظن به فنفهم أنه لم يقصد إليه، وأنه إنما أَفْلَتَ منه عن تعجُّل كعادته. ثم ملأ مقاله بمدح نفسه، بما الله أعلم بحقيقته منه. وختَمه بالغمز واللمز كعهدنا به، ولم يذكر اسمي في مقاله، ترفُّعًا منه واستكبارًا.
فرأيتُ أن أضعَ الحقَّ موضعَه، وأن أؤدّيَ الأمانةَ التي اؤتمنتُ عليها، ولم أجد من اللائق بي وبه، أن ألجأ إلى صحيفة أخرى غير مجلته، ووجدتُ أنّ خير ما أعمل، أن أنشر على الناس هذا الكتاب، أُثْبِتُ فيه مقالي كاملًا، ومقالَه كلَّه، غيرَ مُخْفٍ منهما حرفًا واحدًا، ثم أعقّبَ على مقاله فيما يتصل بالمعنى العلمي، معرضًا عن اللغو، وعمّا اجترأ عليه من الغمز واللمز؛ فما كان ذلك لينصر رأيًا، أو يُقيمَ حجّةً على أحد، وما كان ذلك من شأن أهل العلم.