ثم يدخل العراق، دار الخلافة وعاصمة الدولة (?)، فيأخذ عن أهل الرأي علمهم ورأيهم، وينظر فيه، ويجادلهم ويحاجُّهم، ويزداد بذلك بصرًا بالفقه، ونصرًا للسنة حتى يقول أبو الوليد المكي الفقيه موسى بن أبي الجارود "كنا نتحدث نحن وأصحابنا من أهل مكة أن الشافعي أخذ كتب ابن جريج (?) عن أربعة أنفس: عن مسلم بن خالد، وسعيد بن سالم، وهذان فقيهان، وعن عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد، وكان أعلمهم بابن جريج، وعن عبد الله بن الحارث المخزومي، وكان من الأثبات، وانتهت رياسة الفقه بالمدينة إلى مالك بن أنس، رحل إليه ولازمه وأخذ عنه، وانتهت رياسة الفقه بالعراق إلى أبي حنيفة، فأخذ عن صاحبه محمد بن الحسن جملًا ليس فيها شيء إلّا وقد سمعه عليه، فاجتمع له علم أهل الرأي وعلم أهل الحديث، فتصرف في ذلك، حتى أصل الأصول، وقعد القواعد، وأذعن له الموافق والمخالف، واشتهر أمره، وعلا ذكره، وارتفع قدره، حتى صار منه ما صار".
ثم دخل مصر في سنة 199 فأقام بها إلى أن مات، يعلّم الناس السنة وفقه السنة والكتاب، ويناظر مخالفيه ويحاجُّهم، وأكثرهم من أتباع شيخه مالك بن أنس، وكانوا متعصبين لمذهبه، فبهرهم الشافعي