اعلم يا يزيد أنك طريد الموت وأسير الحياة، بلغنى أنك اتخذت المصانع (?) والمجالس للملاهى والمزامير، كما قال الله تعالى: «أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ (?) آيَةً تَعْبَثُونَ وَتَتَّخِذُونَ مَصانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ» وأجهرت (?) الفاحشة حتى اتخذت سريرتها عندك جهرا.
اعلم (يا يزيد) أن أول ما سلبكه السّكر معرفة مواطن الشكر لله على نعمه المتظاهرة (?)، وآلائه المتواترة، وهى الجرحة العظمى، والفجعة الكبرى: ترك الصلوات المفروضات فى أوقاتها، وهو من أعظم ما يحدث من آفاتها، ثم استحسان العيوب، وركوب الذنوب، وإظهار العورة، وإباحة السر، فلا تأمن نفسك على سرّك، ولا تعقد على فعلك، فما خير لذّة تعقب الندم، وتعفّى (?) الكرم.
وقد توقّف أمير المؤمنين بين شطرين من أمرك، لما يتوقّعه من غلبة الآفة، واستهلاك الشهوة، فكن الحاكم على نفسك، واجعل المحكوم عليه ذهنك، ترشد إن شاء الله تعالى.
وليبلغ أمير المؤمنين ما يردّ شاردا من نومه، فقد أصبح نصب الاعتزال من كل مؤانس، ودريئة (?) الألسن الشامتة، وفّقك الله فأحسن».
(صبح الأعشى 6: 387)