«إن عديا كان ممن أعين به الملك فى نصحه ولبّه، فأصابه ما لا بدّ منه، وانقطعت مدّته، وانقضى أجله، ولم يصب به أحد أشدّ من مصيبتى، وأمّا الملك فلم يكن ليفقد رجلا إلا جعل الله له منه خلفا، لما عظّم الله من ملكه وشأنه، وقد بلغ ابن له ليس بدونه، رأيته يصلح لخدمة الملك فسرّحته إليه، فإن رأى الملك أن يجعله مكان أبيه فليفعل، وليصرف عمّه عن ذلك إلى عمل آخر».
فلما قدم الغلام على كسرى، جعله مكان أبيه، وصرف عمه إلى عمل آخر، فكان هو الذى يلى المكاتبة عن الملك إلى ملوك العرب فى أمورها، وفى خواصّ أمور الملك.
(تاريخ الطبرى 2: 150، والأغانى 2: 27)
وروى صاحب العقد الفريد أن النعمان بن المنذر قدم على كسرى، وعنده وفود الروم والهند والصين، فذكروا من ملوكهم وبلادهم، فافتخر النعمان بالعرب وفضّلهم على جميع الأمم، لا يستثنى فارس ولا غيرها، فانبرى كسرى يعدّد مآثر الأمم ومفاخرها، ثم تنقّص العرب، وهجّن (?) أمرهم وامتهنهم، فردّ عليه النعمان مفنّدا قوله، مباهيا بمناقب العرب ومحاسنها.
فلما رجع إلى الحيرة، وفى نفسه ما فيها مما سمع من كسرى، بعث إلى بعض وجوه العرب (?)، فاقتصّ عليهم مقالات كسرى، وما ردّ عليه، وقال لهم: الرأى أن تسيروا بجماعتكم أيّها الرّهط، وتنطلقوا إلى كسرى، فإذا دخلتم فطق كل رجل منكم بما حضره ليعلم أن العرب على غير ما ظن أو حدّثته نفسه، ثم جهزّهم وكتب معهم كتابا وهو: