468- مقام الحسن عند النضر بن عمرو:

وأحضر النضر بن عمرو -وكان واليا على البصرة- الحسن البصري يوما، فقال: يا أبا سعيد إن الله عز وجل خلق الدنيا وما فيها من رياشها1، وبهجتها، وزينتها لعباده، وقال عز وجل: {كُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} ، وقال عز من قائل: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} فقال الحسن:

"أيها الرجل: اتق الله في نفسك، وإياك والأماني التي ترجحت2 فيها فتهلك، إن أحدا لم يعط خيرًا من خير الدنيا، ولا من خير الآخرة بأمنيته، وإنما هي داران، من عمل في هذه أدرك تلك، ونال في هذه ما قدر له منها، ومن أهمل نفسه خسرهما جميعا، إن الله سبحانه اختار محمدا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لنفسه، وبعثه برسالته ورحمته، وجعله رسولا إلى كافة خلقه، وأنزل عليه كتابا مهيمنا، وحد له في الدنيا حدودا، وجعل له فيها أجلا، ثم قال عز وجل: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} وأمرنا أن نأخذ بأمره، ونهتدي بهديه، وأن نسلك طريقته، ونعمل بسنته، فما بلغنا إليه فبفضله ورحمته، وما قصرنا عنه فعلينا أن نستعين ونستغفر، فذلك باب مخرجنا، فأما الأماني فلا خير فيها، ولا في أحد من أهلها":

طور بواسطة نورين ميديا © 2015