مِنَ الشَّعِيرِ لَمْ يَشْبَعْ مِنَ التَّمْرِ، وَرَوَى الدِّمْيَاطِيُّ عَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَطَبَ فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا أَمْسَى فِي آلِ مُحَمَّدٍ صَاعٌ مِنْ طَعَامٍ وَإِنَّهَا لِتِسْعَةُ أَبْيَاتٍ وَاللَّهِ مَا قَالَهَا اسْتِقْلَالًا لِرِزْقِ اللَّهِ وَلَكِنْ أَرَادَ أَنْ يَتَأَسَّى بِهِ أُمَّتُهُ، قُلْتُ وَلْيَعْرِفُوا أَنَّ الْفَقِيرَ الصَّابِرَ أَفْضَلُ مِنَ الْغَنِيِّ الشَّاكِرِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنْ عَائِشَةَ كَانَ يُعْجِبُهُ مِنَ الدُّنْيَا الطِّيبُ وَالنِّسَاءُ وَالطَّعَامُ فَأَصَابَ الْأَوَّلَيْنِ دُونَ الثَّالِثِ.
(حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي زِيَادٍ حَدَّثَنَا سَيَّارٌ) بِفَتْحِ مُهْمَلَةٍ وَتَشْدِيدِ تَحْتِيَّةٍ (حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ أَسْلَمَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي مَنْصُورٍ عَنْ أَنَسٍ عَنْ أَبِي طَلْحَةَ قَالَ شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْجُوعَ وَرَفَعْنَا عَنْ بُطُونِنَا عَنْ حَجَرٍ حَجَرٍ) ذَكَرَ مِيرَكُ نَقْلًا عَنِ الطِّيبِيِّ أَنَّ عَنِ الْأُولَى مُتَعَلِّقٌ بِرَفَعْنَا يَتَضَمَّنُ مَعْنَى الْكَشْفِ وَالثَّانِيَةُ صِفَةُ مَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ: كَشَفْنَا ثِيَابَنَا عَنْ بُطُونِنَا كَشْفًا صَادِرًا عَنْ حَجَرٍ حَجَرٍ، فَالْمَعْنَى لَكَ مِنَّا حَجَرٌ وَاحِدٌ رُفِعَ عَنْهُ فَالتَّكْرِيرُ بِاعْتِبَارِ تَعَدُّدِ الْمُخْبِرِ عَنْهُمْ بِذَلِكَ قَالَ: وَيَجُوزُ أَنْ يُحْمَلَ التَّنْكِيرُ فِي حَجَرٍ عَلَى النَّوْعِ أَيْ: حَجَرٍ مَشْدُودٍ عَلَى بُطُونِنَا فَيَكُونُ بَدَلًا، وَعَادَةُ مَنِ اشْتَدَّ جُوعُهُ وَخَمَصَ بَطْنُهُ أَنْ يَشُدَّ حَجَرًا عَلَى بَطْنِهِ لِيَتَقَوَّمَ بِهِ صُلْبُهُ، قِيلَ وَلِئَلَّا يَنْتَفِخَ، وَقَالَ زَيْنُ الْعَرَبِ: عَنْ حَجَرٍ بَدَلُ اشْتِمَالٍ عَمَّا قَبْلَهُ بِإِعَادَةِ الْجَارِّ كَمَا تَقُولُ: زَيْدٌ كَشَفَ عَنْ وَجْهِهِ عَنْ حُسْنٍ خَارِقٍ، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: فَزُعِمَ أَنَّ هَاهُنَا حَرْفَ عَطْفٍ حُذِفَ غَيْرَ مُحْتَاجٍ إِلَيْهِ بَلْ رُبَّمَا يَفْسُدُ الْمَعْنَى لِإِنْهَائِهِ حِينَئِذٍ أَنْ لِكُلٍّ حَجَرَيْنِ، وَكَذَا زُعِمَ أَنَّ التَّقْدِيرَ: عَنْ حَجَرٍ مُنْفَصِلٍ عَنْ حَجَرٍ آخَرَ، فَالْحَجَرُ الْأَخِيرُ صِفَةُ الْأَوَّلِ، ثُمَّ مَا قِيلَ بَدَلُ الِاشْتِمَالِ لَا يَخْلُو عَنْ ضَمِيرِ الْمُبْدَلِ مِنْهُ، وَلَا ضَمِيرَ هُنَا، فَلَا يَصِحُّ الْبَدَلُ مَدْفُوعٌ بِتَقْدِيرِ مَشْدُودٍ عَلَيْهَا فَإِنَّ الضَّمِيرَ هُنَا مُقَدَّرٌ وَمَا قِيلَ أَيْضًا مِنْ أَنَّ تَعَلُّقَ حَرْفَيْ جَرٍّ مُتَّحِدَيِ الْمَعْنَى بِعَامِلٍ وَاحِدٍ مَمْنُوعٌ رُدَّ بِأَنَّ هَذَيْنِ الْحَرْفَيْنِ فِي حُكْمِ حَرْفٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّ الْمُبْدَلَ مِنْهُ فِي نِيَّةِ الْمَطْرُوحِ كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ مَعَ مَعْنَاهُ فِي مَحَلِّهِ وَمَبْنَاهُ (فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَطْنِهِ عَنْ حَجَرَيْنِ) قَالَ صَاحِبُ الْمُظْهِرِ: عَادَةُ أَصْحَابِ
الرِّيَاضَةِ وَكَذَا الْعَرَبُ وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ إِذَا اشْتَدَّ جُوعُهُمْ وَخَلِيَتْ بُطُونُهُمْ أَنْ يَرْبُطَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ حَجَرًا عَلَى بَطْنِهِ كَيْلَا يَسْتَرْخِيَ بَطْنُهُ وَلِئَلَّا يَنْزِلَ أَمْعَاؤُهُ فَيَشُقَّ عَلَيْهِ التَّحَرُّكُ فَإِذَا يَرْبُطُ حَجَرًا عَلَى بَطْنِهِ يَشْتَدُّ بَطْنُهُ وَظَهْرُهُ فَيَسْهُلُ عَلَيْهِ الْحَرَكَةُ وَمَنْ كَانَ جُوعُهُ أَشَدَّ يَرْبُطُ عَلَى بَطْنِهِ حَجَرَيْنِ، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَكْثَرَهُمْ جُوعًا وَأَشَدَّهُمْ رِيَاضَةً، فَرَبَطَ عَلَى بَطْنِهِ حَجَرَيْنِ، وَرَبَطَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ حَجَرًا، وَقَالَ صَاحِبُ الْأَزْهَارِ: فِي رَبْطِ الْحَجَرِ عَلَى الْبَطْنِ أَقْوَالٌ أَحَدُهَا: أَنَّ ذَلِكَ يَخُصُّ أَحْجَارًا بِالْمَدِينَةِ تُسَمَّى الْمُشْبِعَةَ، كَانُوا إِذَا جَاعَ أَحَدُهُمْ يَرْبُطُ عَلَى بَطْنِهِ حَجَرًا مِنْ ذَلِكَ وَكَانَ اللَّهُ تَعَالَى خَلَقَ فِيهِ بُرُودَةً تُسَكِّنُ الْجُوعَ وَحَرَارَتَهُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ يُقَالُ: لِمَنْ يُؤْمَرُ بِالصَّبْرِ: ارْبُطْ عَلَى قَلْبِكَ حَجَرًا فَكَأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُؤْمَرُ بِالصَّبْرِ، وَأَمَرَ أُمَّتَهُ هُوَ بِالصَّبْرِ قَالًا وَحَالًا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، نَقَلَهُ مِيرَكُ، لَكِنْ كِلَاهُمَا لَا يَصْلُحُ لِلْمَقَامِ، أَمَّا الْأَوَّلُ فَإِنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَا أَرَادَ بِرَفْعِ الثَّوْبِ عَنْ حَجَرَيْنِ إِلَّا الْإِشَارَةَ إِلَى أَنَّ جُوعَهُ أَشَدُّ فَلَا يُنَاسِبُهُ التَّسْلِيَةُ بِتَسْكِينِ الْجُوعِ وَحَرَارَتِهِ بِبُرُودَةِ الْحَجَرِ مَعَ أَنَّ هَذَا بَعِيدٌ عَنِ الْعَادَةِ، وَلَمْ يُعْرَفْ فِي الْمَدِينَةِ حَجَرٌ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهُ مَجَازٌ مَعْنَوِيٌّ وَفِعْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَادِرٌ عَنْ حَجَرٍ حَقِيقِيٍّ، وَقِيلَ حِكْمَةُ رَبْطِ الْحَجَرِ أَنَّهُ يُسَكِّنُ بَعْضَ أَلَمِ الْجُوعِ؛ لِأَنَّ حَرَارَةَ الْمَعِدَةِ الْغَرِيزِيَّةِ مَا دَامَتْ مَشْغُولَةً بِالطَّعَامِ قَلَّتِ الْحَرَارَةُ بِهِ، فَإِذَا نَفَذَ اشْتَغَلَتْ بِرُطُوبَاتِ الْجِسْمِ وَجَوَاهِرِهِ فَيَحْصُلُ التَّأَلُّمُ حِينَئِذٍ وَيَزْدَادُ مَا لَمْ يُضَمُّ إِلَى الْمَعِدَةِ الْأَحْشَاءُ وَالْجِلْدُ، فَإِنَّ نَارَهَا حِينَئِذٍ تَخْمُدُ بَعْضَ الْخُمُودِ، فَيَقِلُّ الْأَلَمُ انْتَهَى.
فَيُفِيدُ أَنَّ شَدَّ الْحَجَرِ عَلَى قَدْرِ أَلَمِ الْجُوعِ فَكُلَّمَا زِيدَ زِيدَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
(قَالَ أَبُو عِيسَى) أَيِ المص (هَذَا) أَيِ: الْحَدِيثُ السَّابِقُ (حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي طَلْحَةَ) أَيْ: غَرَابَتُهُ نَاشِئَةٌ مِنْ طَرِيقِ أَبِي طَلْحَةَ لَا مِنْ سَائِرِ الطُّرُقِ (