فَالْمَشْكُوكُ فِيهِ لَفْظُ وَنَظَرْتُ وَرَأَيْتُ فَقَطْ
لَا لَفْظُ قَطُّ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، وَقَدْ جَاءَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْجَوْزِيِّ عَنْهَا مَا نَظَرْتُ إِلَى فَرْجِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَطُّ، أَوْ قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ عَوْرَةَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَطُّ، أَوْ قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ فَرْجَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَطُّ.
ثُمَّ مُنَاسَبَةُ الْحَدِيثِ لِلْبَابِ ظَاهِرَةٌ غَايَةَ الظُّهُورِ خِلَافًا لِمَنْ تَوَهَّمَ خِلَافَهُ وَوَقَعَ فِي بِئْرِ الْغُرُورِ.
هَذَا وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ عَائِشَةَ كَانَتْ أَحَبَّ وَأَبْسَطَ مِنْ غَيْرِهَا مِنَ النِّسَاءِ، فَنَفْيُ رُؤْيَتِهَا مُفِيدٌ لِنَفْيِ رُؤْيَةِ غَيْرِهَا بِالْأَوْلَى.
وَقَدْ أَخْرَجَ الْبَزَّارُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَغْتَسِلُ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ وَمَا رَأَى أَحَدٌ عَوْرَتَهُ قَطُّ، وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ، وَرَوَى أَبُو صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: مَا أَتَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحَدًا مِنْ نِسَائِهِ إِلَّا مُقَنَّعًا يُرْخِي الثَّوْبَ عَلَى رَأْسِهِ، وَمَا رَأَيْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا رَأَى مِنِّي، أَوْرَدَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي كِتَابِ الْوَفَاءِ نَقْلًا عَنِ الْخُطَبِ.
الْحِجَامَةُ بِالْكَسْرِ اسْمٌ مِنَ الْحَجْمِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْجَوْهَرِيُّ، وَفِي الْقَامُوسِ: الْحَجْمُ الْمَصُّ، يَحْجِمُ وَيَحْجُمُ، وَالْمِحْجَمُ وَالْمِحْجَمَةُ بِكَسْرِهِمَا مَا يُحْجَمُ بِهِ وَحِرْفَتُهُ الْحِجَامَةُ كَكِتَابَةٍ انْتَهَى.
وَلَعَلَّهَا مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَهُمَا، وَإِلَّا فَالْمُنَاسِبُ لِلْمَقَامِ هُوَ الْمَعْنَى الْأَوَّلُ فَتَأَمَّلْ، وَقَدِ احْتَجَمَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَثِيرًا وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ احْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُفْطِرُ، وَقَالَ أَحْمَدُ: يُفْطِرُ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ.
لِخَبَرِ (أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ) ، وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَأَوَّلَهُ الْجُمْهُورُ بِأَنَّ مَعْنَاهُ تَعَرَّضَا لِلْإِفْطَارِ بِالْمَصِّ لِلْحَاجِمِ وَالضَّعْفِ لِلْمَحْجُومِ أَوْ بِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ أَوَّلًا، ثُمَّ نُسِخَ كَمَا وَرَدَ مِنْ غَيْرِ طَرِيقٍ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حَزْمٍ (حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ حُمَيْدٍ) بِالتَّصْغِيرِ (سُئِلَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ عَنْ كَسْبِ الْحَجَّامِ) أَيْ: طَيِّبٌ أَمْ خَبِيثٌ؟ (فَقَالَ أَنَسٌ) أَيْ: كَمَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ عَنْهُ أَيْضًا لَكِنَّ فِيهِ بَعْضَ مُخَالَفَةٍ يَأْتِي التَّنْبِيهُ عَلَيْهَا (احْتَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) أَيْ: كَثِيرًا أَوْ مَرَّةً (حَجَمَهُ أَبُو طَيْبَةَ) بِفَتْحِ مُهْمَلَةٍ وَسُكُونِ تَحْتِيَّةٍ فَمُوَحَّدَةٍ وَاسْمُهُ نَافِعٌ عَلَى الصَّحِيحِ.
فَقَدْ رَوَى أَحْمَدُ وَابْنُ السَّكَنِ وَالطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيقِ مُحَيِّصَةَ بْنِ مَسْعُودٍ: أَنَّهُ كَانَ لَهُ غُلَامٌ حَجَّامٌ يُقَالُ لَهُ نَافِعٌ أَبُو طَيْبَةَ فَانْطَلَقَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ -
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْأَلُهُ عَنْ خَرَاجِهِ) الْحَدِيثَ، وَحَكَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي اسْمِ أَبِي طَيْبَةَ أَنَّهُ دِينَارٌ وَوَهَّمُوهُ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ دِينَارًا الْحَجَّامَ تَابِعِيٌّ رَوَى عَنْ أَبِي طَيْبَةَ، قَالَ الْعَسْقَلَانِيُّ: وَكَذَلِكَ جَزَمَ أَبُو أَحْمَدَ وَالْحَاكِمُ فِي الْكُنَى أَنَّ دِينَارًا الْحَجَّامَ يَرْوِي عَنْ أَبِي طَيْبَةَ لَا أَنَّهُ أَبُو طَيْبَةَ نَفْسُهُ وَذَكَرَ الْبَغَوِيُّ فِي الصَّحَابَةِ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ أَنَّ اسْمَ أَبِي طَيْبَةَ مَيْسَرَةُ قَالَ مِيرَكُ: وَكَأَنَّهُ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ بَاسْمِ أَبِي جَمِيلَةَ الرَّاوِي حَدِيثَ الْحِجَامَةِ كَمَا سَيَأْتِي، وَأَمَّا الْعَسْكَرِيُّ فَقَالَ: الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَعْرِفُ اسْمَهُ وَذَكَرَ ابْنُ الْحَدَّادِ فِي رِجَالِ الْمُوَطَّأِ أَنَّهُ عَاشَ مِائَةً وَثَلَاثًا وَأَرْبَعِينَ سَنَةً وَذَكَرَ الْكِرْمَانِيُّ أَنَّهُ عَبْدٌ لِبَنِي بَيَاضَةَ، وَهُوَ وَهْمٌ أَيْضًا بَلْ هُوَ مِنْ بَنِي حَارِثَةَ مَوْلَاهُ مُحَيِّصَةُ بْنُ مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيُّ كَمَا تَقَدَّمَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَبِكَوْنِهِ قِنًّا لِبَنِي بَيَاضَةَ، صَرَّحَ