بَدْرًا، وَكَانَ حَرَّمَ الْخَمْرَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ مَاتَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ بِالْمَدِينَةِ فِي شَعْبَانَ عَلَى رَأْسِ ثَلَاثِينَ شَهْرًا مِنَ الْهِجْرَةِ، وَلَمَّا دُفِنَ قَالَ نِعْمَ السَّلَفُ هُوَ لَنَا وَدُفِنَ بِالْبَقِيعِ كَانَ عَابِدًا مُجْتَهِدًا مِنْ فُضَلَاءِ الصَّحَابَةِ (وَهُوَ) أَيْ: وَالْحَالُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (يَبْكِي) أَيْ: حَتَّى سَالَتْ دُمُوعُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى وَجْهِ عُثْمَانَ عَلَى مَا فِي الْمُشْكَلَةِ قَالَ مِيرَكُ: وَأَخْرَجَ ابْنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبَّلَ عُثْمَانَ بْنَ مَظْعُونٍ، وَهُوَ مَيِّتٌ قَالَتْ: فَرَأَيْتُ دُمُوعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَسِيلُ عَلَى خَدِّ عُثْمَانَ.
وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ أَبِي النَّضْرِ قَالَ: لَمَّا مُرَّ بِجِنَازَةِ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَهَبْتَ وَلَمْ تَلْبَسْ مِنْهَا بِشَيْءٍ يَعْنِي مِنَ الدُّنْيَا، وَهَذَا مُرْسَلٌ لَكِنْ لَهُ شَاهِدٌ عِنْدَ ابْنِ الْجَوْزِيِّ فِي كِتَابِ الْوَفَاءِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَمَّا مَاتَ عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ كَشَفَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الثَّوْبَ عَنْ وَجْهِهِ، وَقَبَّلَ بَيْنَ عَيْنَيْهِ ثُمَّ بَكَى طَوِيلًا فَلَمَّا رُفِعَ عَنِ السَّرِيرِ قَالَ: طُوبَى لَكَ يَا عُثْمَانُ لَمْ تَلْبَسْكَ الدُّنْيَا، وَلَمْ تَلْبَسْهَا (أَوْ قَالَ) أَيِ: الرَّاوِي كَمَا قَالَهُ الْكَاشَانِيُّ وَهُوَ شَكٌّ مِنْ أَحَدِ الرُّوَاةِ (عَيْنَاهُ) وَفِي نُسْخَةٍ، وَعَيْنَاهُ (تُهْرَاقَانِ) بِضَمِّ التَّاءِ، وَفَتْحِ الْهَاءِ، وَسُكُونِهَا أَيْضًا، وَفِي نُسْخَةٍ بِحَذْفِ الْأَلِفِ تَصُبَّانِ الدَّمْعَ أَوْ تَصُبَّانِ دُمُوعَهُمَا قَالَ الْعِصَامُ: فِيهِ لُغَتَانِ فَتْحُ الْهَاءِ عَلَى أَنَّهَا عِوَضٌ عَنِ الْهَمْزَةِ، وَحِينَئِذٍ مَاضِيهِ هَرَاقَ، وَسُكُونُ الْهَاءِ عَلَى أَنَّهَا زِيدَتْ، وَالْمَاضِي أَهْرَاقَ رِوَايَةُ الْكِتَابِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ، وَالتَّرْكِيبُ مِنْ قَبِيلِ جَرَى النَّهْرُ انْتَهَى.
وَفِي التَّاجِ لِلْبَيْهَقِيِّ الْإِرَاقَةُ صَبُّ الْمَائِعِ، وَالْمَاضِي أَرَاقَ وَفِيهِ لُغَةٌ أُخْرَى هَرَاقَ الْمَاءَ يُهَرِيقُهُ بِفَتْحِ الْهَاءِ هِرَاقَةً، وَالشَّيْءُ مُهَرَاقٌ بِالتَّحْرِيكِ، وَالْهَاءُ عَلَى هَذِهِ اللُّغَةِ بَدَلٌ عَنِ الْهَمْزَةِ وَحَكَى الْجَوْهَرِيُّ أَهْرَقَ الْمَاءَ يَهْرَقُ إِهْرَاقًا عَلَى أَفْعَلَ يَفْعَلُ إِفْعَالًا لُغَةٌ وَلُغَةٌ أُخْرَى أَهْرَاقَ يُهْرِيقُ إِهْرَاقَةً فَهُوَ مُهْرِيقٌ وَمِهْرَاقٌ، وَالْهَاءُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ زِيدَتْ عِوَضًا مِنْ ذَهَابِ الْحَرَكَةِ مِنْ نَفْسِ الْعَيْنِ لَا مِنْ ذَهَابِهَا أَصْلًا، لِأَنَّ أَصْلَ أَرَاقَ أَرْوَقَ أَوْ أُرِيقَ فَكَأَنَّهُمْ لَمَّا نَقَلُوا الْحَرَكَةَ مِنَ الْعَيْنِ فَحَرَّكُوا بِهَا الْفَاءَ السَّاكِنَةَ، وَقَلَبُوا الْعَيْنَ أَلِفًا، فَلَحِقَ الْكَلِمَةَ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ مِنَ التَّغْيِيرِ جَعَلُوا هَذِهِ الْهَاءَ عِوَضًا مِنَ الْوَهَنِ الَّذِي لَحِقَهَا، وَكَذَا الْقَوْلُ فِي اسْطَاعَ لُغَةٌ فِي أَطَاعَ يُطِيعُ فَاعْرِفْهُ، وَقَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: الْهَاءُ فِي هَرَاقَ بَدَلٌ مِنْ هَمْزَةِ أَرَاقَ، وَيُقَالُ أَهْرَاقُهُ إِهْرَاقًا فَيُجْمَعُ بَيْنَ الْبَدَلِ، وَالْمُبْدَلِ.
(حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ أَنْبَأَنَا) وَفِي نُسْخَةٍ أَخْبَرَنَا (أَبُو عَامِرٍ حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ) بِضَمِّ فَاءٍ، وَفَتْحِ لَامٍ، وَسُكُونِ تَحْتِيَّةٍ فَمُهْمَلَةٍ (وَهُوَ ابْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ هِلَالِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: شَهِدْنَا) أَيْ: حَضَرْنَا (ابْنَةً لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) وَهِيَ أُمُّ كُلْثُومٍ زَوْجَةُ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ كَمَا رَوَاهُ الْوَاقِدِيُّ عَنْ فُلَيْحِ بْنِ سُلَيْمَانَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ، وَكَذَا أَخْرَجَهُ ابْنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ فِي تَرْجَمَةِ أُمِّ كُلْثُومٍ، وَوَهِمَ مَنْ قَالَ إِنَّهَا رُقَيَّةُ ; لِأَنَّهَا مَاتَتْ وَالنَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبَدْرٍ، وَلَمْ يَشْهَدْهَا (وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَالِسٌ عَلَى الْقَبْرِ) أَيْ: عَلَى طَرَفِهِ وَالْجُمْلَةُ حَالٌ، وَأَغْرَبَ شَارِحٌ حَيْثُ قَالَ: وَفِي الْحَدِيثِ جَوَازُ الْجُلُوسِ عَلَى الْقَبْرِ (فَرَأَيْتُ عَيْنَيْهِ تَدْمَعَانِ) أَيْ: يَسِيلُ دَمْعُهُمَا (فَقَالَ: أَفِيكُمُ رَجُلٌ لَمْ يُقَارِفِ اللَّيْلَةَ) أَيِ: الْبَارِحَةَ.
فِي جَامِعِ الْأُصُولِ لَمْ يُقَارِفْ أَيْ: لَمْ يُذْنِبْ ذَنْبًا، وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ الْجِمَاعُ فَكَنَّى عَنْهُ، وَقِيلَ هُوَ الْمَعْنِيُّ فِي الْحَدِيثِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي النِّهَايَةِ قَارَفَ الذَّنْبَ إِذَا دَانَاهُ، وَقَارَفَ امْرَأَتَهُ إِذَا جَاءَهَا، وَمِنْهُ الْحَدِيثُ فِي دَفْنِ أُمِّ كُلْثُومٍ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ لَمْ يُقَارِفْ أَهْلَهُ اللَّيْلَةَ فَلْيَدْخُلْ قَبْرَهَا.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ قَوْلَهُ لَمْ يُقَارِفْ بِالْقَافِ وَالرَّاءِ وَالْفَاءِ مِنَ الْمُقَارَفَةِ عَلَى صِيغَةِ الْمَبْنِيِّ لِلْفَاعِلِ، وَأَنَّ الْمَفْعُولَ هُنَا مَحْذُوفٌ وَهُوَ الذَّنْبُ أَوِ امْرَأُتُهُ، وَأَهْلُهُ، وَقَدْ زَادَ ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ فُلَيْحٍ أُرَاهُ يَعْنِي الذَّنْبَ ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا، وَوَصَلَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ وَحَكَى عَنِ الطَّحَاوِيِّ أَنَّهُ قَالَ: لَمْ يُقَارِفْ تَصْحِيفٌ، وَالصَّوَابُ لَمْ يُقَاوِلْ أَيْ: لَمْ يُنَازِعْ غَيْرَهُ فِي الْكَلَامِ ;