لِكَوْنِهِ مِنَ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ الْمُعَظَّمِ عِنْدَهُمْ، فَنَبَّهَهُمْ بِكَثْرَةِ صِيَامِهِ فِيهِ أَنَّهُمْ لَا يَغْفُلُونَ عَنْهُ مَعَ زِيَادَةِ إِفَادَةِ أَنَّ الْأَعْمَالَ تُرْفَعُ فِيهِ، وَالْآجَالَ تُنْسَخُ فِيهِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ.
قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَى أَكْثَرَ صِيَامِكَ فِي شَعْبَانَ قَالَ
إِنَّ هَذَا الشَّهْرَ يُكْتَبُ فِيهِ لِمَلَكِ الْمَوْتِ مَنْ يَقْبِضُ ; فَأُحِبُّ أَنْ لَا يُنْسَخَ اسْمِي إِلَّا وَأَنَا صَائِمٌ، وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ الْحِكْمَةُ فِي وَجْهِ اخْتِصَاصِ شَعْبَانَ بِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ حَيْثُ قَالَ.
رَجَبُ شَهْرُ اللَّهِ، وَشَعْبَانُ شَهْرِي، وَرَمَضَانُ شَهْرُ أُمَّتِي.
عَلَى مَا رَوَاهُ الدَّيْلَمِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ أَنَسٍ قَالَ ابْنُ حَجَرٍ. وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْهَى عَنْ صِيَامِ رَجَبٍ فَالصَّحِيحُ وَقْفُهُ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ.
فَمَحَلُّ بَحْثٍ لِأَنَّ الْمَوْقُوفَ إِذَا جَاءَ بِطْرِيقٍ آخَرَ مَرْفُوعٌ فَالْمُحَقِّقُونَ يُرَجِّحُونَ الرَّفْعَ مَعَ أَنَّ مِثْلَ هَذَا الْمَوْقُوفِ فِي حُكْمِ الْمَرْفُوعِ.
نَعَمْ يُعَارِضُهُ مَا فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَدَبَ إِلَى الصَّوْمِ مِنَ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ، فَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ وَرَجَبٌ أَحَدُهَا، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَيَّدَ بِغَيْرِ رَجَبٍ.
وَكَذَا يُنَافِيهِ أَيْضًا مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَغَيْرُهُ عَنْ عُرْوَةَ أَنَّهُ قَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ هَلْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَصُومُ فِي رَجَبٍ قَالَ نَعَمْ، وَيُشَرِّفُهُ قَالَهَا ثَلَاثًا.
وَكَذَا مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ أَنَّ فِي الْجَنَّةِ قَصْرًا لِصَوْمِ رَجَبٍ وَهُوَ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ لَا يَقُولُهُ إِلَّا عَنْ بَلَاغٍ كَمَا قَالَهُ الْبَيْهَقِيُّ فَيَحْتَاجُ إِلَى تَرْجِيحٍ بِتَصْحِيحِ أَحَدِهِمَا أَوْ إِلَى نَسْخِ أَحَدِهِمَا إِنْ عُرِفَ تَارِيخُهُمَا.
(حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ دِينَارٍ الْكُوفِيُّ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى وَطَلْقُ بْنُ غَنَّامٍ) بِتَشْدِيدِ النُّونِ (عَنْ شَيْبَانَ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ زِرٍّ) بِكَسْرِ زَايٍ، وَتَشْدِيدِ رَاءٍ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ) أَيِ: ابْنِ مَسْعُودٍ عَلَى مَا هُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي الْمِشْكَاةِ مَعَ أَنَّهُ الْمُرَادُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ فِي اصْطِلَاحِ الْمُحَدِّثِينَ، وَغَالِبِ الْفُقَهَاءِ الْمُعْتَبَرِينَ (قَالَ كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَصُومُ مِنْ غُرَّةِ كُلِّ شَهْرٍ) بِضَمِّ غَيْنٍ مُعْجَمَةٍ، وَتَشْدِيدِ رَاءٍ أَيْ: أَوَّلِهِ وَالْمُرَادُ هُنَا أَوَائِلُهُ لِقَوْلِهِ (ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) وَهَكَذَا رَوَاهُ أَيْضًا أَصْحَابُ السُّنَنِ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ
(وَقَلَّمَا كَانَ يُفْطِرُ) قِيلَ مَا: كَافَّةٌ، وَقِيلَ صِلَةٌ لِتَأْكِيدِ مَعْنَى الْقِلَّةِ وَقِيلَ مَصْدَرِيَّةٌ أَيْ: قَلَّ كَوْنُهُ مُفْطِرًا (يَوْمَ الْجُمُعَةِ) وَهُوَ دَلِيلٌ لِأَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ