أَيْ: عَقِبَهُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَكَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ الظُّهْرِ أَرْبَعًا (وَيَمُدُّ فِيهَا) مِنَ الْمَدِّ بِمَعْنَى الْإِطَالَةِ أَيْ: وَيُطِيلُ فِي تِلْكَ الصَّلَاةِ أَوْ يَزِيدُ الْقِرَاءَةَ فِيهَا يَعْنِي بِالنِّسْبَةِ إِلَى سُنَّةِ الْفَجْرِ ; فَإِنَّهُ كَانَ يُخْفِيهَا، وَأَغْرَبَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ حَيْثُ قَالَ فِيهِ دَلِيلٌ لِاسْتِحْبَابِ طُولِ الْقِرَاءَةِ فِي صَلَاةِ الضُّحَى اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يُتَكَلَّفَ، وَيُرَادُ بِقَوْلِهِ عِنْدَ الزَّوَالِ صَلَاةُ الضُّحَى قَرِيبُ الزَّوَالِ فِي أَوَاخِرِ وَقْتِهَا حِينَ تَرْمَضُ الْفِصَالُ ; فَإِنَّهُ قِيلَ هُوَ أَفْضَلُ أَوْقَاتِهَا ; لِأَنَّهُ وَقْتُ غَفْلَةِ النَّاسِ وَالِاسْتِرَاحَةِ بِالْقَيْلُولَةِ وَنَحْوِهَا
الْمُرَادُ بِالتَّطَوُّعِ غَيْرُ الْفَرْضِ فَيَشْمَلُ السُّنَنَ الْمُؤَكَّدَةَ، وَالْمُسْتَحَبَّةَ وَغَيْرَهَا مِنْ صَلَاةِ الضُّحَى، وَأَمْثَالِهَا.
(حَدَّثَنَا عَبَّاسٌ الْعَنْبَرِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ) اسْمُ مَفْعُولٍ كَمَرْمِيٍّ
(عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ حَرَامِ بْنِ مُعَاوِيَةَ) وَهُوَ بِمُهْمَلَتَيْنِ مَفْتُوحَتَيْنِ ابْنِ حَكِيمِ بْنِ خَالِدِ بْنِ سَعْدٍ الْأَنْصَارِيِّ، وَيُقَالُ الْعَنْسِيُّ بِالنُّونِ الدِّمَشْقِيُّ، وَهُوَ حَرَامُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، وَكَانَ مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ يَقُولُهُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ، وَوَهِمَ مَنْ جَعَلَهُمَا اثْنَيْنِ وَهُوَ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ (عَنْ عَمِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ) هُوَ الْأَنْصَارِيُّ الْحَرَمِيُّ، وَقِيلَ الْقُرَيْشِيُّ الْأُمَوِيُّ وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَثْبَتُ ذَكَرَهُ مِيرَكُ (قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنِ الصَّلَاةِ) أَيِ: النَّافِلَةِ (فِي بَيْتِي وَالصَّلَاةِ فِي الْمَسْجِدِ) أَيْ: أَيُّهُمَا أَحَبُّ (قَالَ قَدْ تَرَى) الْخِطَابَ لِلسَّائِلِ، وَالْمُرَادُ بِهِ الْعَامُّ، وَقَدْ مَرَّ تَحْقِيقُهُ وَالرُّؤْيَةُ بَصَرِيَّةٌ (مَا أَقْرَبَ بَيْتِيَ مِنَ الْمَسْجِدِ) صِيغَةُ تَعَجُّبٍ أَتَى بِهَا فِي ضِمْنِ قَوْلِهِ قَدْ تَرَى زِيَادَةً فِي الْإِيضَاحِ وَالتَّأْكِيدِ لِفِعْلِ النَّافِلَةِ فِي الْبَيْتِ اقْتِدَاءً بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (فَلَأَنْ أُصَلِيَ) الْفَاءُ: فَصِيحَةٌ، وَأَنْ: مَصْدَرِيَّةٌ أَيْ: إِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَلِصَلَاتِي (فِي بَيْتِي) أَيْ: مَعَ كَمَالِ قُرْبِهِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْبَعِيدِ عَنِ الْمَانِعِ (أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُصَلِيَ فِي الْمَسْجِدِ) أَيْ: حَذَرًا مِنَ الرِّيَاءِ وَالْعَجَبِ، وَتَحْقِيقًا لِتَصْدِيقِ الْإِيمَانِ، وَمُخَالَفَةً لِلْمُنَافِقِينَ، وَقَصْدَ وَصُولِ الْبَرَكَةِ إِلَى الْمَنْزِلِ، وَأَهْلِهِ وَنُزُولِ الْمَلَائِكَةِ، وَطَرْدِ الشَّيْطَانِ عَنْهُ كَمَا جَاءَ فِي رِوَايَاتٍ (إِلَّا أَنْ تَكُونَ) أَيِ: الصَّلَاةُ (صَلَاةً مَكْتُوبَةً) أَيْ: فَرِيضَةً ; فَإِنَّ الْأَحَبَّ إِلَيَّ صَلَاتُهَا فِيهِ ; لِأَنَّهَا مِنْ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ، وَعَلَى هَذَا قِيَاسُ سَائِرِ الْعِبَادَاتِ مِنْ إِعْطَاءِ الزَّكَاةِ وَالصَّدَقَاتِ وَالصِّيَامِ جَهْرًا وَسِرًّا، وَهَذَا الْحَدِيثُ فِي مَعْنَى مَا وَرَدَ مِنَ الصَّحِيحِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ صَلَاةُ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إِلَّا الْمَكْتُوبَةَ أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ مِنْ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ مَرْفُوعًا، وَفِي الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رَفَعَهُ.
اجْعَلُوا فِي بُيُوتِكُمْ مِنْ صَلَاتِكُمْ، وَلَا تَتَّخِذُوهَا قُبُورًا.
وَيُسْتَثْنَى مِنْ هَذَا الْحُكْمِ صَلَاةُ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ، لِحَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ فِي الْمَسْجِدِ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يَجْلِسَ.
مُتَّفَقٌ