مِنْ غَيْبَتِهِ بِسَفَرٍ، وَسُمِّيَ السَّفَرُ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ الْغَيْبَةَ عَنِ الْأَهْلِ، وَالْوَطَنِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: «عَنْ مَغِيبِهِ» بِكَلِمَةِ «عَنْ» بَدَلِ «مِنْ» ، فَالْمَعْنَى إِلَّا أَنْ يَرْجِعَ عَنْ حَالِ غَيْبَتِهِ، وَزَمَانِ غُرْبَتِهِ، وَفِي نُسْخَةٍ: مِنْ سَفَرٍ، وَأَمَّا قَوْلُ شَارِحٍ أَنَّ قَوْلَهُ: «مَغِيبَةٍ» بِتَاءِ التَّأْنِيثِ فَمَرْدُودٌ بِأَنَّ الَّذِي فِي الْأُصُولِ الْمُصَحَّحَةِ هُوَ الْأَوَّلُ، فَهُوَ الْمُعَوَّلُ، فَفِيهِ تَقْيِيدُ صَلَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلضُّحَى بِحَالِ الْمَجِيءِ مِنَ السَّفَرِ وَقَدْ سَبَقَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ مِمَّا يُحْتَاجُ الرُّجُوعُ إِلَيْهِ.
أَنَّهُ وَرَدَ عَنْ كَعْبِ
بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ لَا يَقْدِمُ مِنْ سَفَرِهِ إِلَّا نَهَارًا مِنَ الضُّحَى، فَإِذَا قَدِمَ بَدَأَ بِالْمَسْجِدِ أَوَّلَ قُدُومِهِ فَصَلَّى فِيهِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ جَلَسَ فِيهِ، فَالْأَوْلَى فِي الْجَمْعِ بَيْنَ حَدِيثَيْ عَائِشَةَ أَنَّ نَفْيَهَا مَحْمُولٌ عَلَى صَلَاتِهِ لِلضُّحَى فِي الْمَسْجِدِ إِلَّا عِنْدَ قُدُومِهِ مِنْ سَفَرِهِ، فَمَا رُوِيَ عَنْهَا مِنْ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَا صَلَّى سُبْحَةَ الضُّحَى قَطُّ، عَلَى مَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ عَنْهَا مُقَيَّدٌ نَفْيُهَا بِالْمَسْجِدِ، فَيَنْدَفِعُ اسْتِدْلَالُ الشَّافِعِيَّةِ لِسُنِّيَّةِ صَلَاةِ الضُّحَى فِي الْمَسْجِدِ مُطْلَقًا بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ لِلْمُسَافِرِ عَلَى مَا هُوَ الظَّاهِرُ الْمُتَبَادَرُ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَكُنْ يُدَاوِمُ عَلَى صَلَاةِ الضُّحَى فِي وَقْتٍ مِنَ الْأَوْقَاتِ إِلَّا وَقْتَ مَجِيئِهِ مِنْ سَفَرٍ، وَقُدُومِهِ فِي حَضَرٍ وَيُلَايِمُهُ أَيْضًا حَدِيثُ الْفَتْحِ حِينَئِذٍ، وَأَمَّا مَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ: «أُمِرْتُ بِصَلَاةِ الضُّحَى، وَلَمْ تُؤْمَرُوا بِهَا» فَضَعِيفٌ.
(حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ أَيُّوبَ الْبَغْدَادِيُّ) بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ أَوْ بِالْمُعْجَمَةِ ثَانِيًا هُوَ الْأَفْصَحُ مِنَ الْوُجُوهِ الْأَرْبَعَةِ الْمُحْتَمَلَةِ فِيهِ الْمُجَوَّزَةِ عَلَى مَا فِي الْقَامُوسِ، وَغَيْرِهِ (حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ رَبِيعَةَ، عَنْ فُضَيْلِ بْنِ مَرْزُوقٍ، عَنْ عَطِيَّةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي الضُّحَى) أَيْ: أَيَّامًا مُتَوَالِيَةً، وَظَاهِرُهُ أَنَّهَا لَيْسَتْ مَخْصُوصَةً بِحَالِ السَّفَرِ، وَيُمْكِنُ تَقْيِيدُهَا بِهِ؛ لِأَنَّ وَقْتَ الْحَضَرِ إِنَّمَا كَانَ يُصَلِّيهَا فِي بَيْتِهِ، فَلَا يَتَرَتَّبُ قَوْلُهُ (حَتَّى نَقُولَ) أَيْ: فِي أَنْفُسِنَا أَوْ يَقُولَ بَعْضُنَا لِبَعْضٍ (لَا يَدَعُهَا) أَيْ لَا يَتْرُكُهَا أَبَدًا بَعْدَ هَذِهِ الْمُوَاظَبَةِ (وَيَدَعُهَا) أَيْ: يَتْرُكُهَا أَحْيَانًا (حَتَّى نَقُولَ لَا يُصَلِّيهَا) أَيْ: لَا يَعُودُ إِلَى صَلَاتِهَا أَبَدًا لِنَسْخِهَا أَوْ لِاخْتِلَافِ اجْتِهَادِهَا، وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يَتْرُكُهَا خَشْيَةَ تَوَهُّمِ فَرْضِيَّتِهَا أَوْ دَلَالَةِ وُجُوبِهَا أَوْ تَأْكِيدِ سُنِّيَّتِهَا، ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ مِنْ فَوَائِدِ صَلَاةِ الضُّحَى أَنَّهَا تُجْزِئُ عَنِ الصَّدَقَاتِ الَّتِي تُصْبِحُ عَلَى مَفَاصِلِ الْإِنْسَانِ الثَّلَاثِمِائَةٍ وَسِتِّينَ مَفْصِلًا، كَمَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، وَقَالَ: «وَيُجْزِئُ عَنْ ذَلِكَ رَكْعَتَا الضُّحَى» ، وَرَوَى الْحَاكِمُ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ نُصَلِّيَ الضُّحَى بِسُوَرٍ مِنْهَا وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا وَالضُّحَى» ، وَمُنَاسَبَتُهَا ظَاهِرَةٌ كَالشَّمْسِ، وَالْأَنْسَبُ إِذَا صَلَّاهَا أَرْبَعًا أَنْ يَقْرَأَ فِيهَا بِالشَّمْسِ وَاللَّيْلِ وَالضُّحَى، وَأَلَمْ نَشْرَحْ، وَقَدْ حَكَى الْحَافِظُ الزَّيْنُ الْعِرَاقِيُّ أَنَّهُ اشْتُهِرَ بَيْنَ الْعَوَامِّ أَنَّ مَنْ صَلَّى الضُّحَى ثُمَّ قَطَعَهَا يَعْمَى، فَصَارَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ يَتْرُكُهَا أَصْلًا لِذَلِكَ، وَلَيْسَ لِمَا قَالُوهُ أَصْلٌ، بَلِ الظَّاهِرُ أَنَّهُ مِمَّا أَلْقَاهُ الشَّيْطَانُ عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ لِيَحْرِمَهُمُ الْخَيْرَ الْكَثِيرَ، لَا سِيَّمَا إِجْزَاؤُهَا عَنْ تِلْكَ الصَّدَقَةِ، قُلْتُ: وَكَذَا اشْتُهِرَ هَذَا الْقَوْلُ بَيْنَ النِّسَاءِ فَتَوَهَّمْنَ أَنَّ تَرْكَهَا حَالَةَ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ مِمَّا يَقْطَعُهَا فَتَرَكْنَ مِنْ أَصْلِهَا، وَقُلْنَ: إِنَّمَا يُصَلِّي الضُّحَى الْمَرْأَةُ الْمُنْقَطِعَةُ. .
(حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ) بِفَتْحِ مِيمٍ فَكَسْرِ نُونٍ (عَنْ هُشَيْمٍ) بِالتَّصْغِيرِ، وَفِي نُسْخَةٍ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ (أَنْبَأَنَا) وَفِي نُسْخَةٍ أَخْبَرَنَا، وَفِي أُخْرَى حَدَّثَنَا (عُبَيْدَةُ) بِالتَّصْغِيرِ، وَهُوَ ابْنُ مُعَتِّبٍ الضَّبِّيُّ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْجَزَرِيُّ (عَنْ إِبْرَاهِيمَ)