ثَمَانِيَةً فَهُوَ ثُمُنُهَا، ثُمَّ فَتَحُوا أَوَّلَهُ لِأَنَّهُمْ يُغَيِّرُونَ فِي النَّسَبِ، وَحَذَفُوا مِنْهَا إِحْدَى يَائَيِ النِّسْبَةِ، وَعَوَّضُوا مِنْهَا الْأَلِفَ، وَقَدْ يُحْذَفُ مِنْهُ الْيَاءُ، وَيُكْتَفَى بِكَسْرِ النُّونِ أَوْ يُفْتَحُ تَخْفِيفًا كَذَا حَقَّقَهُ الْعَلَّامَةُ الْكِرْمَانِيُّ، وَزَادَ كُرَيْبٌ عَنْ أُمِّ هَانِئٍ فَسَلَّمَ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ، وَفِي الطَّبَرَانِيِّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ أَبِي أَوْفَى أَنَّهُ صَلَّى الضُّحَى رَكْعَتَيْنِ، فَسَأَلَتْهُ امْرَأَتُهُ فَقَالَ: إِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى يَوْمَ الْفَتْحِ رَكْعَتَيْنِ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ رَأَى مِنْ صَلَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَكْعَتَيْنِ، وَأَنَّ أُمَّ هَانِئٍ رَأَتْ بَقِيَّةَ الثَّمَانِ، وَهَذَا يُقَوِّي أَنَّهُ صَلَّاهَا مَفْصُولَةً كَذَا إِفَادَةُ الْحَافِظِ الْعَسْقَلَانِيِّ، وَقَالَ مِيرَكُ: كَوْنُهُ مُقَوِّيًا لَيْسَ بِظَاهِرٍ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ رَأَى الرَّكْعَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ تَأَمَّلْ. قُلْتُ: كَلَامُ الْعَسْقَلَانِيِّ هُوَ الظَّاهِرُ، وَإِلَّا فَيُنَافِي رِوَايَتَهُ عَنْهَا، فَسَلَّمَ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ، تَدَبَّرْ، وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنْهَا أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى يَوْمَ الْفَتْحِ سُبْحَةَ الضُّحَى ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ يُسَلِّمُ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ، وَلِمُسْلِمٍ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ ثُمَّ صَلَّى ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ سُبْحَةَ الضُّحَى، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَبِهَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ يَبْطُلُ قَوْلُ عِيَاضٍ وَغَيْرِهِ: حَدِيثُهَا لَيْسَ بِظَاهِرٍ فِي قَصْدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُنَّةَ الضُّحَى، قُلْتُ بَلِ الصَّوَابُ قَوْلُ عِيَاضٍ وَمَنْ تَبِعَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ رِوَايَةِ الرَّاوِي أَنَّهُ - صَلَّى سُبْحَةَ الضُّحَى لِمَا دَلَّ عَلَيْهِ اقْتِرَانُ وَقْتِ الضُّحَى أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَصَدَ صَلَاةَ الضُّحَى وَبِهِ يَنْدَفِعُ قَوْلُهُ أَيْضًا، وَأَمَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ: لَا تُفْعَلُ صَلَاةُ الضُّحَى إِلَّا لِسَبَبٍ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِنَّمَا صَلَّاهَا يَوْمَ الْفَتْحِ مِنْ أَجْلِ الْفَتْحِ، فَيُبْطِلُهُ مَا مَرَّ مِنَ الْأَحَادِيثِ انْتَهَى.
وَبَيَانُهُ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْفَتْحَ لَيْسَ سَبَبًا لِهَذِهِ الصَّلَاةِ، لَكِنْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ سَبَبًا لِإِنْشَائِهَا ثُمَّ الْمُوَاظَبَةِ عَلَى أَدَائِهَا مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ إِلَى سَبَبٍ فِي كُلِّ مَرَّةٍ مِنْ فَضَائِلِهَا لِمَا رَوَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّهَا قَالَتْ: لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا هَذِهِ الصَّلَاةُ؟ قَالَ: «صَلَاةُ الضُّحَى» ، وَلِمَا صَحَّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: «أَوْصَانِي خَلِيلِي بِثَلَاثٍ لَا أَدَعُهُنَّ حَتَّى أَمُوتَ» ، وَذَكَرَ مِنْهُنَّ الضُّحَى، وَأَمَّا الْجَوَابُ بِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَخْتَارُ دَرْسَ الْحَدِيثِ بِاللَّيْلِ عَلَى الصَّلَاةِ فَأَمَرَ بِالضُّحَى بَدَلًا عَنْ قِيَامِ اللَّيْلِ وَلِهَذَا أَمَرَهُ دُونَ بَقِيَّةِ الصَّحَابَةِ أَنْ لَا يَنَامَ إِلَّا عَلَى وَتْرٍ فَمَعَ كَمَالِ بُعْدِهِ يَرُدُّهُ أَنَّ هَذِهِ الْوَصِيَّةَ غَيْرُ خَاصَّةٍ بِهِ بَلْ رَوَاهَا مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، وَالنَّسَائِيُّ عَنْ أَبِي ذَرٍّ وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. (مَا رَأَيْتُهُ) أَيِ: النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (صَلَّى صَلَاةً) أَيْ:
فَرِيضَةً وَلَا نَافِلَةً (قَطُّ) أَيْ: أَبَدًا (أَخَفَّ مِنْهَا) أَيْ: مِنْ تِلْكَ الصَّلَاةِ الَّتِي صَلَّاهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (غَيْرَ أَنَّهُ كَانَ يُتِمَّ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ) نُصِبَ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ، وَفِيهِ إِشْعَارٌ بِأَنَّ الِاعْتِنَاءَ بِشَأْنِ الطُّمَأْنِينَةِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَفَّفَ سَائِرَ الْأَرْكَانِ مِنَ الْقِيَامِ، وَالْقِرَاءَةِ وَالتَّشَهُّدِ، وَلَمْ يُخَفِّفْ مِنَ الطُّمَأْنِينَةِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، كَذَا ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ، وَفِيهِ أَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ التَّخْفِيفُ فِي حُصُولِ أَصْلِ طُمَأْنِينَتِهِمَا بِخِلَافِ بَقِيَّةِ أَحْوَالِ الصَّلَاةِ، فَالصَّحِيحُ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ لِدَفْعِ تَوَهُّمٍ نَشَأَ مِنْ قَوْلِهَا: مَا رَأَيْتُهُ إِلَى آخِرِهِ، وَهُوَ أَنَّهُ لَا يُتِمُّ الرُّكُوعَ، وَالسُّجُودَ فَالتَّخْصِيصُ بِهِمَا؛ لِأَنَّهُ كَثِيرًا مَا يَقَعُ التَّسَاهُلُ فِيهِمَا ثُمَّ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُ نَدْبُ التَّخْفِيفِ فِي صَلَاةِ الضُّحَى؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُعْلَمْ مِنْهُ الْمُوَاظَبَةُ عَلَى ذَلِكَ فِيهَا بِخِلَافِ سُنَّةِ الْفَجْرِ بَلِ الثَّابِتُ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ صَلَّى الضُّحَى فَطَوَّلَ فِيهَا وَإِنَّمَا خَفَّفَ يَوْمَ الْفَتْحِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ قَصَدَ التَّفَرُّغَ لِمُهِمَّاتِ الْفَتْحِ لِكَثْرَةِ شُغْلِهِ بِهِ، قَالَ مِيرَكُ: وَاسْتُدِلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى إِثْبَاتِ سُنَّةِ الضُّحَى وَحَكَى عِيَاضٌ عَنْ أَقْوَامٍ أَنَّهُمْ قَالُوا: لَيْسَ فِي حَدِيثِ أُمِّ هَانِئٍ دَلَالَةٌ عَلَى ذَلِكَ قَالُوا: وَإِنَّمَا هِيَ صَلَاةُ الْفَتْحِ وَقَدْ صَلَّى خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فِي بَعْضِ فُتُوحِهِ لِذَلِكَ، وَقِيلَ أَنَّهَا كَانَتْ قَضَاءً عَمَّا شُغِلَ عَنْهُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ مِنْ حِزْبِهِ فِيهَا لَكِنْ جَاءَ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ مَرْفُوعًا: «مَنْ صَلَّى الضُّحَى رَكْعَتَيْنِ لَمْ يُكْتَبْ مِنَ الْغَافِلِينَ، وَمَنْ صَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ كُتِبَ مِنَ الْقَانِتِينَ، وَمَنْ صَلَّى سِتًّا كُفِيَ ذَلِكَ الْيَوْمَ، وَمَنْ صَلَّى ثَمَانِيًا كُتِبَ مِنَ الْعَابِدِينَ، وَمَنْ صَلَّى اثْنَتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ» ، وَفِي إِسْنَادِهِ ضَعْفٌ، لَكِنْ لَهُ شَاهِدٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ وَأَبِي ذَرٍّ لَكِنْ فِي إِسْنَادِهِ ضَعْفٌ أَيْضًا قُلْتُ لَكِنْ يَتَقَوَّى بَعْضُهُ بِبَعْضٍ مَعَ أَنَّ الْحَدِيثَ الضَّعِيفَ يُعْمَلُ بِهِ فِي فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ اتِّفَاقًا وَنَقَلَ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَحْمَدَ: أَنَّهُ أَصَحُّ شَيْءٍ وَرَدَ فِي الْبَابِ حَدِيثُ أُمِّ هَانِئٍ، وَلِذَا قَالَ النَّوَوِيُّ: وَفِي الرَّوْضَةِ أَفْضَلُهَا ثَمَانٍ، وَأَكْثَرُهَا عَشْرَةً، وَذَهَبَ قَوْمٌ مِنْهُمْ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّبَرِيُّ، وَبِهِ جَزَمَ الْحَلِيمِيُّ، وَالرُّويَانِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ إِلَى أَنَّهُ لَا حَدَّ لِأَكْثَرِهَا، فَرُوِيَ عَنْ طَرِيقِ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ الْأَسْوَدَ بْنَ يَزِيدَ كَمْ أُصَلِّي الضُّحَى؟ قَالَ: مَا شِئْتَ وَيُؤَيِّدُهُ. مَا تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُصَلِّي أَرْبَعًا، وَيَزِيدُ مَا شَاءَ اللَّهُ.
(حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا كَهْمَسُ بْنُ الْحَسَنِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ قَالَ: قُلْتُ لِعَائِشَةَ أَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي الضُّحَى؟ قَالَتْ: لَا إِلَّا أَنْ يَجِيءَ مِنْ غَيْبَتِهِ) بِفَتْحٍ فَكَسْرٍ ثُمَّ هَاءِ الضَّمِيرِ أَيْ: يَقْدِمُ