حُسْنِهِنَّ) أَيْ: كَيْفِيَّةً (وَطُولِهِنَّ) أَيْ: كَمِّيَّةً فَقَوْلُ: «لَا تَسْأَلْ» كِنَايَةٌ عَنْ غَايَةِ الطُّولِ، وَالْحُسْنِ فَكَأَنَّهَا قَالَتْ: لَا تَسْأَلْ عَنْهُنَّ مِنْ كَمَالِ الطُّولِ، وَالْحُسْنِ فِي غَايَةٍ ظَاهِرَةٍ مُغْنِيَةٍ عَنِ السُّؤَالِ مَعْلُومَةٍ عِنْدَ أَرْبَابِ الْحَالِ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ عَلَى قِرَاءَةِ الْجَزْمِ بِالنَّهْيِ، وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَفْضَلِيَّةِ تَطْوِيلِ الْقِيَامِ عَلَى تَكْثِيرِ الرُّكُوعِ، وَالسُّجُودِ وَيُؤَيِّدُهُ خَبَرُ: «أَفْضَلُ الصَّلَاةِ طُولُ الْقُنُوتِ» ، وَقِيلَ الْأَفْضَلُ تَكْثِيرُ الرُّكُوعِ، وَالسُّجُودِ لِخَبَرِ: «أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ» ، وَقِيلَ تَطْوِيلُ الْقِيَامِ لَيْلًا أَفْضَلُ، وَتَكْثِيرُ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ نَهَارًا أَفْضَلُ (ثُمَّ يُصَلِّي أَرْبَعًا لَا تَسْأَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ) ظَاهِرُ الْحَدِيثِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ كُلًّا مِنَ الْأَرْبَعِ بِسَلَامٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ أَفْضَلُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْمَلَوَيْنِ، وَعِنْدَ صَاحِبَيْهِ صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى، فَيَنْبَغِي أَنْ يُصَلِّيَ السَّالِكُ أَرْبَعًا بِسَلَامٍ مَرَّةً وَسَلَامَيْنِ أُخْرَى جَمْعًا بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ، وَرِعَايَةً لِلْمَذْهَبَيْنِ (ثُمَّ يُصَلِّي ثَلَاثًا) ، وَهَذَا أَيْضًا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ صَلَّاهَا بِسَلَامٍ وَاحِدٍ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ مُسْلِمٍ بَعْدَ إِيرَادِ صَلَاةِ اللَّيْلِ ثُمَّ أَوْتَرَ بِثَلَاثٍ قَالَتْ عَائِشَةُ: وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا عَنْهَا (قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتَنَامُ قَبْلَ أَنْ تُوتِرَ) تَعْنِي وَرُبَّمَا يَفُوتُ بِعَدَمِ الْقِيَامِ بَعْدَ الْمَنَامِ، وَفِيهِ إِيمَاءٌ إِلَى وُجُوبِهِ ; فَإِنَّهُ لَا يَخَافُ إِلَّا عَلَى فَوْتِ الْوَاجِبِ (قَالَ: يَا عَائِشَةُ إِنَّ عَيْنَيَّ) بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ (تَنَامَانِ وَلَا يَنَامُ قَلْبِي) وَالْمَعْنَى أَنِّي إِنَّمَا فَعَلْتُ ذَلِكَ لِأَنِّي لَا أَخْشَى فَوْتَ الْوَتْرِ، وَهَذَا مِنْ خَصَائِصِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ؛ لِحَيَاةِ قُلُوبِهِمْ، وَاسْتِغْرَاقِ شُهُودِ جَمَالِ الْحَقِّ الْمُطْلَقِ، وَجَعَلَ الْفُقَهَاءُ فِي مَعْنَى الْأَنْبِيَاءِ مَنْ يَثِقُ بِالِانْتِبَاهِ، وَلَا يَخْشَى فَوْتَهُ، حَيْثُ أَنَّ الْأَفْضَلَ فِي حَقِّهِمْ تَأْخِيرُ الْوَتْرِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اجْعَلُوا آخِرَ صَلَاتِكُمْ وِتْرًا» ، عَلَى مَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ، وَأَبُو دَاوُدَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَإِنَّمَا فَاتَتْهُ صَلَاةُ الصُّبْحِ ; لِأَنَّ رُؤْيَةَ الْفَجْرِ مِنْ وَظَائِفِ الْبَصَرِ، أَوْ لِأَنَّ الْقَلْبَ يَسْهُو يَقَظَةً لِمَصْلَحَةِ التَّشْرِيعِ فَكَذَا نَوْمًا.

(حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا مَعْنٌ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ) أَيْ: غَالِبًا أَوْ عِنْدَهَا (يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً) ، فَلَا يُنَافِي مَا ثَبَتَ مِنْ زِيَادَةٍ أَوْ نُقْصَانٍ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ عَنْهَا وَعَنْ غَيْرِهَا وَلَعَلَّ الِاخْتِلَافَ بِحَسْبِ اخْتِلَافِ الْأَوْقَاتِ وَالْحَالَاتِ، أَوْ طُولِ الْقِرَاءَةِ وَقِصَرِهَا، أَوْ صِحَّةٍ وَمَرَضٍ وَقُوَّةٍ وَفَتْرَةٍ

أَوْ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى سَعَةِ الْأَمْرِ فِي ذَلِكَ (يُوتِرُ مِنْهَا بِوَاحِدَةٍ) أَيْ: يَضُمُّ الشَّفْعَ بِوَاحِدَةٍ مِنْهَا، وَقِيلَ كَوْنُ الْوَتْرِ وَاحِدَةً مَنْسُوخٌ لِلنَّهْيِ عَنِ الْبُتَيْرَاءِ (فَإِذَا فَرَغَ مِنْهَا) أَيْ: مِنْ صَلَاةِ اللَّيْلِ أَوْ مِنْ صَلَاةِ الْوَتْرِ (اضْطَجَعَ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ) أَيْ: لِلِاسْتِرَاحَةِ إِنْ كَانَ الصُّبْحُ قَرِيبًا أَوْ لِلنَّوْمِ إِنْ كَانَ وَقْتَ السَّحَرِ، وَهُوَ السُّدُسُ الْأَخِيرُ مِنَ اللَّيْلِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

(حَدَّثَنَا ابْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا مَعْنٌ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ نَحْوَهُ) أَيْ: نَحْوَ الْحَدِيثِ السَّابِقِ، وَلَفْظُ (نَحْوَهُ) غَيْرُ مَوْجُودٍ فِي بَعْضِ النُّسَخِ (ح) إِشَارَةٌ لِلتَّحْوِيلِ، قَالَ السَّيِّدُ لَيْسَ فِي النُّسْخَةِ الَّتِي «ح» لَفْظُ (نَحْوَهُ) وَقَالَ عَفِيفُ الدِّينِ فِي نُسْخَةٍ. ح. فَقَطْ وَفِي نُسْخَةٍ (نَحْوَهُ) فَقَطْ وَفِي نُسْخَةِ أَصْلِنَا كِلَاهُمَا مَوْجُودٌ قَالَ عِصَامُ الدِّينِ: فِي بَعْضِ النُّسَخِ حَاءُ التَّحْوِيلِ مَعَ نَحْوِهِ، وَفِي بَعْضِهَا بِدُونِ نَحْوِهِ، وَفِي بَعْضِهَا لَيْسَ حَاءُ التَّحْوِيلِ، وَيُؤَيِّدُ هَذِهِ النُّسْخَةَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015