الْإِنْسَانُ عَنْ وَصْفِ بَعْضِهِ لَمَا اسْتَطَاعَ بَشَرٌ أَنْ يَلْقَاهُ، فَكَانَ يَتَحَدَّثُ مَعَهَا أَوْ يَضْطَجِعُ بِالْأَرْضِ لِيَسْتَأْنِسَ بِجِنْسِهِمْ أَوْ بِجِنْسِ أَصْلِ خَلْقِهِمْ، وَهِيَ الْأَرْضُ ثُمَّ يَخْرُجُ إِلَيْهِمْ بِحَالَةٍ يَقْدِرُونَ عَلَى مُشَاهَدَتِهَا رِفْقًا بِهِمْ، وَرَحْمَةً لَهُمْ.
(حَدَّثَنَا عَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّورِيُّ) بِضَمِّ الدَّالِ (أَنْبَأَنَا) وَفِي نُسْخَةٍ أَخْبَرَنَا (عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ شَقِيقٍ) وَفِي نُسْخَةٍ ضَعِيفَةٍ: «الْحُسَيْنِ» بِالتَّصْغِيرِ قَالَ مِيرَكُ: وَهُوَ غَلَطٌ (أَنْبَأَنَا) وَفِي نُسْخَةٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ بِفَتْحِ الْمِيمِ فَضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ، وَيُفْتَحُ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّكَ تُدَاعِبُنَا) بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ، وَالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ أَيْ: تُمَازِحُنَا، وَالْمَعْنَى: إِنَّكَ نَهَيْتَنَا عَنِ الْمُزَاحِ كَمَا سَبَقَ، وَنَحْنُ أَتْبَاعُكَ مَأْمُورُونَ بِاتِّبَاعِكَ فِي الْأَفْعَالِ، وَالْأَخْلَاقِ فَمَا الْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ (قَالَ: إِنِّي لَا أَقُولُ إِلَّا حَقًّا) جَوَابٌ لِلسُّؤَالِ عَلَى وَجْهٍ مُتَضَمِّنٍ لِلْعِلَّةِ الْبَاعِثَةِ عَلَى نَهْيِهِمْ، وَالْمَعْنَى: إِنِّي لَا أَقُولُ إِلَّا حَقًّا حَتَّى فِي مُزَاحِي، فَكُلُّ مَنْ قَدَرَ عَلَى ذَلِكَ يُبَاحُ لَهُ، بِخِلَافِ مَنْ يُخَافُ عَلَيْهِ أَنْ يَقَعَ حَالَ مَزْحِهِ فِي الْبَاطِلِ مِنَ السُّخْرِيَةِ، وَالِاسْتِهْزَاءِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الْأَذَى، وَالْكَذِبِ وَالضَّحِكِ الْمُفْرِطِ الْمُوجِبِ لِقَسَاوَةِ الْقَلْبِ.
وَإِنَّمَا أُطْلِقَ النَّهْيُ نَظَرًا إِلَى أَحْوَالِ الْأَغْلَبِ كَمَا هُوَ مِنَ الْقَوَاعِدِ الشَّرْعِيَّةِ فِي بِنَاءِ الْأَحْكَامِ الْفَرْعِيَّةِ فَقَدْ ثَبَتَ مُزَاحُ بَعْضِ الصَّحَابَةِ مَعَهُ أَيْضًا، وَقَرَّرَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا سَيَأْتِي فِي حَدِيثٍ أَذْكُرُهُ بَعْدَ حَدِيثِ زَاهِرٍ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَفِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ تُدَاعِبُنَا يَعْنِي تُمَازِحُنَا انْتَهَى. فَيَكُونُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَوْ أَحَدٍ مِنْ مَشَايِخِهِ كَمَا تَقَدَّمَ.
قَالَ الطِّيبِيُّ: وَاعْلَمْ أَنَّ تَصْدِيرَ الْجُمْلَةِ بِأَنَّ الْمُؤَكِّدَةِ يَدُلُّ عَلَى إِنْكَارِ أَمْرٍ سَابِقٍ كَأَنَّهُمْ قَالُوا: لَا يَنْبَغِي لِمِثْلِكَ فِي صَدْرِ الرِّسَالَةِ، وَمَكَانَتِكَ مِنَ اللَّهِ الْمُدَاعَبَةُ، فَأَجَابَهُمْ بِالْقَوْلِ الْمُوجِبِ أَيْ: نَعَمْ أُدَاعِبُ، وَلَكِنْ لَا أَقُولُ إِلَّا حَقًّا لِلَّهِ دَرُّ مُزَاحٍ هُوَ حَقٌّ، فَكَيْفَ بِجِدِّهِ انْتَهَى.
وَقَوْلُهُ كَأَنَّهُمْ قَالُوا: لَا يَنْبَغِي لِمِثْلِكَ إِلَى آخِرِهِ مِمَّا لَا يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ فَالصَّوَابُ مَا قَدَّمْنَاهُ، فَتَأَمَّلْ وَلَا تُمْلِلْ، وَانْصِفْ لِيَظْهَرَ
لَكَ وَجْهُ الْخَلَلِ فِيمَا جَرَى بِهِ قَدَمُ الزَّلَلِ.
(حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ حُمَيْدٍ) بِالتَّصْغِيرِ (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَجُلًا) قِيلَ كَانَ بِهِ نَوْعٌ مِنَ الْبَلَاهَةِ (اسْتَحْمَلَ رَسُولَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) أَيْ: سَأَلَهُ أَنْ يَحْمِلَهُ عَلَى دَابَّةٍ، وَالْمُرَادُ أَنْ يُعْطِيَهُ حَمُولَةً يَرْكَبُهَا (فَقَالَ: إِنِّي حَامِلُكَ) أَيْ: مُرِيدٌ لِحَمْلِكَ (عَلَى وَلَدِ نَاقَةٍ) أَرَادَ بِهِ الْمُبَاسَطَةَ لَهُ، وَالْمُلَاطَفَةَ مَعَهُ بِمَا عَسَاهُ أَنْ يَكُونَ شِفَاءً لِبَلَهِهِ بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ إِظْهَارًا لِتَحَقُّقِهِ فِيهِ ; فَإِنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ الْجَنَّةِ الْبُلْهُ عَلَى مَا وَرَدَ، وَالْمُرَادُ بِهِمُ