ابْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَارِقٍ الْبَجَلِيِّ (عَنْ مُرَّةَ) أَيِ ابْنِ شَرَاحِيلَ (الْهَمْدَانِيِّ) بِسُكُونِ الْمِيمِ نِسْبَةً إِلَى الْقَبِيلَةِ (عَنْ أَبِي مُوسَى) أَيِ الْأَشْعَرِيِّ (عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: فَضْلُ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ) أَيْ مُطْلَقًا أَوْ نِسَاءِ زَمَانِهَا أَوْ نِسَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّتِي كُنَّ فِي زَمَانِهَا (كَفَضْلِ الثَّرِيدِ) فَعِيلٌ بِمَعْنَى الْمَفْعُولِ، وَهُوَ الْخُبْزُ الْمَأْدُومُ بِالْمَرَقِ، سَوَاءٌ كَانَ مَعَ اللَّحْمِ، أَوْ لَمْ يَكُنْ، لَكِنَّ الْأَوَّلَ أَلَذُّ وَأَقْوَى، وَهُوَ الْأَغْلَبُ (عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ) أَيْ بَاقِي الْأَطْعِمَةِ وَقَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ: أَيْ مِنْ جِنْسِهِ بِلَا ثَرِيدٍ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ بِسَائِرِ الطَّعَامِ جَمِيعِهِ، وَفِي حَدِيثِ أَبِي دَاوُدَ: أَحَبُّ الطَّعَامِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الثَّرِيدُ مِنَ الْخُبْزِ، وَالثَّرِيدُ مِنَ الْحَيْسِ.
وَفِي حَدِيثِ سَلْمَانَ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ: الْبَرَكَةُ فِي ثَلَاثَةٍ فِي الْجَمَاعَةِ وَالثَّرِيدِ وَالسَّحُورِ.
قَالَ بَعْضُ الْأَطِبَّاءِ: الثَّرِيدُ مِنْ كُلِّ طَعَامٍ أَفْضَلُ مِنَ الْمَرَقِ، فَثَرِيدُ اللَّحْمِ أَفْضَلُ مِنْ مَرَقِهِ، وَثَرِيدُ مَا لَا لَحْمَ فِيهِ أَفْضَلُ مِنْ مَرَقِهِ، وَالْمُرَادُ مِنْ فَضْلِ الثَّرِيدِ نَفْعُهُ، وَالشِّبَعُ مِنْهُ، وَسُهُولَةُ مَسَاغِهِ، وَالِالْتِذَاذُ بِهِ، وَيُسْرُ تَنَاوُلِهِ، وَتَمَكُّنُ الْإِنْسَانِ مِنْ أَخْذِ كِفَايَتِهِ مِنْهُ بِسُرْعَةٍ، فَهُوَ أَفْضَلُ مِنَ الْمَرَقِ، وَمِنْ سَائِرِ الْأَطْعِمَةِ، مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّاتِ، وَمِنْ أَمْثَالِهِمُ الثَّرِيدُ أَحَدُ اللَّحْمَيْنِ، وَفِي النِّهَايَةِ بَلِ اللَّذَّةُ وَالْقُوَّةُ إِذَا كَانَ اللَّحْمُ نَضِيجًا فِي الْمَرَقِ، أَكْثَرَ مِمَّا فِي نَفْسِ اللَّحْمِ، وَقَالَ الْأَطِبَّاءُ: هُوَ يُعِيدُ الشَّيْخَ إِلَى صِبَاهُ، وَفِي الْحَدِيثِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْفَضَائِلَ الَّتِي اجْتَمَعَتْ فِي عَائِشَةَ، مَا تُوجَدُ فِي جَمِيعِ النِّسَاءِ مِنْ كَوْنِهَا امْرَأَةَ أَفْضَلِ الْأَنْبِيَاءِ، وَأَحَبَّ النِّسَاءِ إِلَيْهِ، وَأَعْلَمَهُنَّ وَأَنْسَبَهُنَّ وَأَحْسَبَهُنَّ، وَإِنْ كَانَتْ لِخَدِيجَةَ وَفَاطِمَةَ وُجُوهٌ أُخَرُ مِنَ الْفَضَائِلِ الْبَهِيَّةِ، وَالشَّمَائِلِ الْعَلِيَّةِ، وَلَكِنَّ الْهَيْئَةَ الْجَامِعِيَّةَ فِي الْفَضِيلَةِ الْمُشَبَّهَةِ بِالثَّرِيدِ، لَمْ تُوجَدْ فِي غَيْرِهَا ; وَلِهَذَا قِيلَ: لَيْسَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ تَصْرِيحٌ بِأَفْضَلِيَّةِ عَائِشَةَ عَلَى غَيْرِهَا مِنَ النِّسَاءِ مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ ; لِأَنَّ فَضْلَ الثَّرِيدِ عَلَى بَاقِي الْأَطْعِمَةِ مِنْ جِهَاتٍ مَخْصُوصَةٍ، وَهُوَ لَا يَسْتَلْزِمُ الْأَفْضَلِيَّةَ، مِنْ كُلِّ الْوُجُوهِ، وَقَدْ وَرَدَ فِي الصَّحِيحِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَفْضَلِيَّةِ فَاطِمَةَ وَخَدِيجَةَ عَلَى غَيْرِهِمَا مِنَ النِّسَاءِ، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.
قَالَ الطِّيبِيُّ: وَالسِّرُّ فِيهِ أَنَّ الثَّرِيدَ مَعَ اللَّحْمِ جَامِعٌ بَيْنَ الْقُوَّةِ وَاللَّذَّةِ، وَسُهُولَةِ التَّنَاوُلِ، وَقِلَّةِ الْمُدَّةِ فِي الْمَضْغِ، فَضُرِبَ بِهِ مَثَلًا لِيُؤْذِنَ بِأَنَّهَا أُعْطِيَتْ مَعَ حُسْنِ الْخُلُقِ، وَحَلَاوَةِ النُّطْقِ، وَفَصَاحَةِ اللَّهْجَةِ، وَجَوْدَةِ الْقَرِيحَةِ، وَرَزَانَةِ الرَّأْيِ، وَرَصَانَةِ الْعَقْلِ، التَّحَبُّبَ إِلَى الْبَعْلِ، فَهِيَ تَصْلُحُ لِلتَّبَعُّلِ وَالتَّحَدُّثِ وَالِاسْتِئْنَاسِ بِهَا، وَالْإِصْغَاءِ إِلَيْهَا وَحَسْبُكَ أَنَّهَا عَقَلَتْ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا لَمْ يَعْقِلْ غَيْرُهَا مِنَ النِّسَاءِ، وَرَوَتْ مَا لَمْ يَرْوِ مِثْلُهَا مِنَ الرِّجَالِ.
(حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَجَرٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَعْمَرٍ الْأَنْصَارِيُّ أَبُو طُوَالَةَ) بِضَمِّ الطَّاءِ كَانَ قَاضِيَ الْمَدِينَةِ
زَمَنَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ (أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَضْلُ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ، كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ) قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: أَيْ عَلَى جَمِيعِ النِّسَاءِ حَتَّى آسِيَةَ، وَأُمِّ مُوسَى، فِيمَا يَظْهَرُ، وَإِنِ اسْتَثْنَى بَعْضُهُمْ آسِيَةَ وَضَمَّ إِلَيْهَا مَرْيَمَ، وَمَا قَالَهُ فِيهِمَا مُحْتَمِلٌ لِحَدِيثِ: فَاطِمَةُ سَيِّدَةُ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، إِلَّا مَرْيَمَ بِنْتَ عِمْرَانَ.
وَفِي رِوَايَةٍ لِابْنِ أَبِي شَيْبَةَ بَعْدَ مَرْيَمَ بِنْتِ عِمْرَانَ، وَآسِيَةَ امْرَأَةِ فِرْعَوْنَ، وَخَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ، فَإِذَا فُضِّلَتْ فَاطِمَةُ، فَعَائِشَةُ أَوْلَى وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى تَأْوِيلِ النِّسَاءِ بِنِسَائِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لِتَخْرُجَ مَرْيَمُ وَأُمُّ مُوسَى وَحَوَّاءُ وَآسِيَةُ، وَلَا دَلِيلَ لَهُ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ فِي غَيْرِ مَرْيَمَ وَآسِيَةَ، نَعَمْ. تُسْتَثْنَى خَدِيجَةُ، فَإِنَّهَا أَفْضَلُ مِنْ عَائِشَةَ عَلَى الْأَصَحِّ ; لِتَصْرِيحِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَائِشَةَ بِأَنَّهُ لَمْ يُرْزَقْ خَيْرًا مِنْ خَدِيجَةَ، وَفَاطِمَةُ أَفْضَلُ مِنْهُمَا، إِذْ لَا يَعْدِلُ بَضْعَتَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَدٌ،