بِالتَّصْغِيرِ (يَعْنِي ابْنَ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ سَعْدِ) وَفِي نُسْخَةٍ سَعِيدِ (بْنِ عِيَاضٍ) بِكَسْرِ أَوَّلِهِ (عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ
قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْجِبُهُ) بِالتَّذْكِيرِ وَفِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ بِالتَّأْنِيثِ (الذِّرَاعُ قَالَ) أَيِ ابْنُ مَسْعُودٍ (وَسُمَّ فِي الذِّرَاعِ) إِنْ كَانَ مِنَ السُّمِّ بِمَعْنَى إِعْطَاءِ السُّمِّ، كَانَ الْأَمْرُ الْقَائِمُ مَقَامَ الْفَاعِلِ ضَمِيرًا رَاجِعًا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَيْ أُعْطِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السُّمَّ فِي الذِّرَاعِ، وَإِنْ كَانَ مِنَ السُّمِّ بِمَعْنَى جَعْلِ السُّمِّ فِي الطَّعَامِ، فَذَلِكَ الْأَمْرُ الْقَائِمُ مَقَامَهُ هُوَ فِي الذِّرَاعِ، كَذَا حَقَّقَهُ الْحَنَفِيُّ، وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: جُعِلَ فِيهِ سُمٌّ قَاتِلٌ لِوَقْتِهِ، فَأَكَلَ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لُقْمَةً ثُمَّ أَخْبَرَهُ جِبْرِيلُ بِأَنَّهُ مَسْمُومٌ، فَتَرَكَهُ.
وَلَمْ يَضُرَّهُ ذَلِكَ السُّمُّ يَعْنِي حِينَئِذٍ، وَإِلَّا فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ كَانَ يَعُودُ عَلَيْهِ أَثَرُهُ كُلَّ عَامٍ، حَتَّى مَاتَ بِهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِزِيَادَةِ حُصُولِ سَعَادَةِ الشَّهَادَةِ، ثُمَّ السُّمُّ مُثَلَّثُ السِّينِ، وَالضَّمُّ أَشْهَرُ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ: أَفْصَحُهَا الْكَسْرُ (وَكَانَ) أَيِ ابْنُ مَسْعُودٍ (يُرَى) عَلَى صِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ يَظُنُّ عَلَى صِيغَةِ الْمَعْلُومِ (أَنَّ الْيَهُودَ سَمُّوهُ) أَيْ أَعْطُوا الرَّسُولَ السُّمَّ، فَالضَّمِيرُ الْمَنْصُوبُ لِلرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِيلَ الضَّمِيرُ لِلذِّرَاعِ، لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ، ثُمَّ إِنَّمَا سَمَّتْهُ امْرَأَةٌ مِنَ الْيَهُودِ، فَنُسِبَ إِلَيْهِمْ لِرِضَاهُمْ بِهِ، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: لِأَنَّ الْمَرْأَةَ الَّتِي سَمَّتْهُ لَمْ تَسُمَّهُ إِلَّا بَعْدَ أَنْ شَاوَرَتْ يَهُودَ خَيْبَرَ فِي ذَلِكَ، فَأَشَارُوا عَلَيْهَا بِهِ، وَاخْتَارُوا لَهَا ذَلِكَ السُّمَّ الْقَاتِلَ، وَقَدْ دَعَاهَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ لَهَا: مَا حَمَلَكِ عَلَى ذَلِكَ، فَقَالَتْ: قُلْتُ: إِنْ كَانَ نَبِيًّا لَمْ يَضُرَّهُ السُّمُّ، وَإِلَّا اسْتَرَحْنَا مِنْهُ، فَعَفَا عَنْهَا بِالنِّسْبَةِ لِحَقِّهِ، فَلَمَّا مَاتَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ الَّذِينَ أَكَلُوا مَعَهُ مِنْهَا، وَهُوَ بِشْرُ بْنُ الْبَرَاءِ قَتَلَهَا فِيهِ، وَبِهَذَا يُجْمَعُ بَيْنَ الْأَخْبَارِ الْمُتَعَارِضَةِ فِي ذَلِكَ، كَخَبَرِ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا فَتَحَ خَيْبَرَ دَعَا الْيَهُودَ، فَسَأَلَهُمْ عَنْ أَبِيهِمْ، فَقَالُوا: فُلَانٌ، فَقَالَ: كَذَبْتُمْ بَلْ أَبُوكُمْ فُلَانٌ فَصَدَّقُوهُ، ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: مَنْ أَهْلُ النَّارِ؟ قَالُوا: نَكُونُ فِيهَا يَسِيرًا ثُمَّ تَخْلُفُونَنَا فِيهَا، فَقَالَ: اخْسَئُوا فِيهَا فَوَاللَّهِ لَا نَخْلُفُكُمْ فِيهَا أَبَدًا، قَالَ لَهُمْ: هَلْ جَعَلْتُمْ فِي هَذِهِ الشَّاةِ سُمًّا، قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: مَا حَمَلَكُمْ عَلَى ذَلِكَ، فَذَكَرُوا نَحْوَ مَا مَرَّ عَنِ الْمَرْأَةِ، وَكَخَبَرِ أَبِي دَاوُدَ أَنَّ يَهُودِيَّةً سَمَّتْ شَاةً مَصْلِيَّةً، ثُمَّ أَهْدَتْهَا إِلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَكَلَ مِنْهَا، وَأَكَلَ مَعَهُ رَهْطٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ: ارْفَعُوا أَيْدِيَكُمْ وَأَرْسَلَ إِلَيْهَا، فَقَالَ: سَمَمْتِ هَذِهِ الشَّاةَ، قَالَتْ: مَنْ أَخْبَرَكَ، قَالَ: هَذِهِ يَعْنِي الذِّرَاعَ، قَالَتْ: نَعَمْ. قُلْتُ: إِنْ كَانَ نَبِيًّا لَمْ يَضُرَّهُ السُّمُّ، وَإِلَّا اسْتَرَحْنَا مِنْهُ، فَعَفَا عَنْهَا، وَلَمْ يُعَاقِبْهَا، وَتُوَفِّي أَصْحَابُهُ الَّذِينَ أَكَلُوا مِنَ الشَّاةِ وَاحْتَجَمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَعْلَى كَاهِلِهِ، مِنْ أَجْلِ الَّذِي أَكَلَ مِنَ الشَّاةِ، وَكَخَبَرِ الدِّمْيَاطِيِّ جَعَلَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ الْحَارِثِ امْرَأَةُ سَلَّامِ بْنِ مِشْكَمٍ تَسْأَلُ أَيُّ الشَّاةِ أَحَبُّ إِلَى مُحَمَّدٍ، فَيَقُولُونَ: الذِّرَاعُ، فَعَمَدَتْ إِلَى عَنْزٍ لَهَا فَذَبَحَتْهَا، وَصَلَتْهَا ثُمَّ عَمَدَتْ إِلَى سُمٍّ يَقْتُلُ مِنْ سَاعَتِهِ، وَقَدْ شَاوَرَتْ يَهُودَ فِي سُمُومٍ، فَاجْتَمَعُوا لَهَا عَلَى ذَلِكَ، فَسَمَّتِ الشَّاةَ وَأَكْثَرَتْ فِي الذِّرَاعَيْنِ وَالْكَتِفِ، فَوُضِعَتْ بَيْنَ يَدَيْهِ وَمَنْ حَضَرَ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَفِيهِمْ بِشْرُ بْنُ الْبَرَاءِ، وَتَنَاوَلَ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذِّرَاعَ فَانْتَهَسَ مِنْهَا، وَتَنَاوَلَ بِشْرٌ عَظْمًا آخَرَ، فَلَمَّا ازْدَرَدَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لُقْمَتَهُ، ازْدَرَدَ بِشْرٌ مَا فِي فِيهِ، وَأَكَلَ الْقَوْمُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ارْفَعُوا أَيْدِيَكُمْ، فَإِنَّ هَذِهِ الذِّرَاعَ تُخْبِرُنِي أَنَّهَا مَسْمُومَةٌ، وَفِيهِ أَنَّ بِشْرًا مَاتَ، وَأَنَّهُ دَفَعَهَا إِلَى أَوْلِيَائِهِ فَقَتَلُوهَا، وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ لَمْ يُعَاقِبْهَا، وَأَجَابَ السُّهَيْلِيُّ بِمَا مَرَّ أَنَّهُ تَرَكَهَا أَوَّلًا ; لِأَنَّهُ كَانَ لَا يَنْتَقِمُ لِنَفْسِهِ، فَلَمَّا مَاتَ بِشْرٌ قَتَلَهَا فِيهِ، وَأَبْدَاهُ الْبَيْهَقِيُّ احْتِمَالًا،