أَكْلِ الشَّرِيفِ طَعَامَ مَنْ دُونَهُ مِنْ مُحْتَرِفٍ وَغَيْرِهِ، وَإِجَابَةُ دَعْوَتِهِ وَمُؤَاكَلَةُ الْخَادِمِ، وَبَيَانُ مَا كَانَ فِي النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ التَّوَاضُعِ وَاللُّطْفِ بِأَصْحَابِهِ، وَتَعَاهُدِهِمْ بِالْمَجِيءِ إِلَى مَنَازِلِهِمْ، وَفِيهِ الْإِجَابَةُ إِلَى الطَّعَامِ، وَلَوْ كَانَ قَلِيلًا، ذَكَرَهُ الْعَسْقَلَانِيُّ، وَأَنَّهُ يُسَنُّ مَحَبَّةُ الدُّبَّاءِ لِمَحَبَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَذَا كُلُّ شَيْءٍ كَانَ يُحِبُّهُ ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ، وَأَنَّ كَسْبَ الْخَيَّاطِ لَيْسَ بِدَنِيءٍ.
(حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، وَسَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ) كَحَبِيبٍ (وَمَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ قَالُوا: أَخْبَرَنَا) وَفِي أَصْلٍ صَحِيحٍ أَنْبَأَنَا (أَبُو أُسَامَةَ) قِيلَ: اسْمُهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ (عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّ الْحَلْوَاءَ) بِالْمَدِّ وَيَجُوزُ قَصْرُهُ، فَفِي الْمُغْرِبِ الْحَلْوَاءُ، الَّذِي يُؤْكَلُ بِالْمَدِّ وَالْقَصْرِ، وَالْجَمْعُ الْحَلَاوَى، نَقَلَهُ مِيرَكُ، وَقِيلَ: الْحَلْوَاءُ كُلُّ شَيْءٍ فِيهِ حَلَاوَةٌ، فَقَوْلُهُ: (وَالْعَسَلَ) تَخْصِيصٌ بَعْدَ تَعْمِيمٍ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِهَا
الْمَجِيعُ، وَهُوَ تَمْرٌ يُعْجَنُ بِاللَّبَنِ، وَقِيلَ: مَا صُنِعَ وَعُولِجَ مِنَ الطَّعَامِ بِحُلْوٍ، وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى الْفَاكِهَةِ، وَنُقِلَ عَنِ الْأَصْمَعِيِّ أَنَّهُ مَقْصُورٌ يُكْتَبُ بِالْيَاءِ، وَعَنِ الْفَرَّاءِ أَنَّهُ مَمْدُودٌ يُكْتَبُ بِالْأَلِفِ، وَأَغْرَبَ ابْنُ حَجَرٍ، فَقَالَ: هِيَ بِالْقَصْرِ، فَيُكْتَبُ بِالْأَلِفِ، قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: الْحَلْوَاءُ الْعَسَلُ مِنْ جُمْلَةِ الطَّيِّبَاتِ، وَفِيهِ تَقْوِيَةٌ لِقَوْلِ مَنْ قَالَ: الْمُرَادُ بِهِ الْمُسْتَلَذَّاتُ مِنَ الْمُبَاحَاتِ، وَدَخَلَ فِي مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ كُلُّ مَا شَابَهَ الْحَلْوَاءَ وَالْعَسَلَ مِنْ أَنْوَاعِ الْمَآكِلِ اللَّذِيذَةِ.
قَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَلَمْ يَكُنْ حُبُّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُمَا عَلَى مَعْنَى كَثْرَةِ التَّشَهِّي، وَشِدَّةِ نَزْعِ النَّفْسِ لِأَجْلِهِمْ، وَإِنَّمَا كَانَ يَنَالُ مِنْهُمَا إِذَا حَضَرَا نَيْلًا صَالِحًا، فَيُعْلَمُ بِذَلِكَ أَنَّهُ يُعْجِبُهُ، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَلَمْ يَصِحَّ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى السُّكَّرَ، وَخَبَرُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَضَرَ مَلَاكَ أَنْصَارِيٍّ، فَجَاءَتِ الْجَوَارِي مَعَهُنَّ الْأَطْبَاقُ عَلَيْهَا اللَّوْزُ وَالسُّكَّرُ، فَأَمْسَكُوا أَيْدِيَهُمْ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَلَا تَنْتَهِبُونَ، قَالُوا: إِنَّكَ نَهَيْتَ عَنِ النُّهْبَةِ، قَالَ: أَمَّا الْعِرْسَانُ فَلَا، قَالَ مُعَاذٌ: فَرَأَيْتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُجَاذِبُهُمْ وَيُجَاذِبُونَهُ غَيْرَ ثَابِتٍ، كَمَا قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ: قَالَ: وَلَا يَثْبُتُ فِي هَذَا الْمَعْنَى شَيْءٌ، وَشَنَّعَ عَلَى احْتِجَاجِ الطَّحَاوِيِّ بِهِ لِمَذْهَبِهِ أَنَّ النِّثَارَ غَيْرُ مَكْرُوهٍ، قُلْتُ: لَوْ لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَهُ لَمَا احْتَجَّ بِهِ لِمَذْهَبِهِ، وَأَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ فِي رِيَاضِهِ، أَنَّ أَوَّلَ مَنْ خَبَصَ فِي الْإِسْلَامِ عُثْمَانُ، قَدِمَتْ عَلَيْهِ عِيرٌ تَحْمِلُ دَقِيقًا وَعَسَلًا فَخَلَطَهُمَا، وَصَحَّ أَنَّ عِيرًا قَدِمَتْ فِيهَا جَمَلٌ لَهُ عَلَيْهِ دَقِيقٌ حُوَّارَى، وَعَسَلٌ وَسَمْنٌ، فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَعَا فِيهَا بِالْبَرَكَةِ، ثُمَّ دَعَا بِبُرْمَةٍ فَنُصِبَتْ عَلَى النَّارِ، وَجَعَلَ فِيهَا مِنَ الْعَسَلِ وَالدَّقِيقِ وَالسَّمْنِ، ثُمَّ عُصِدَ حَتَّى نَضِجَ، ثُمَّ أُنْزِلَ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كُلُوا هَذَا شَيْءٌ تُسَمِّيهِ فَارِسٌ الْخَبِيصَ.
(حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزَّعْفَرَانِيُّ) بِفَتْحِ الْفَاءِ مَنْسُوبٌ إِلَى قَرْيَةٍ يُقَالُ لَهَا الزَّعْفَرَانِيَّةُ، (أَخْبَرَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ) بِجِيمَيْنِ مُصَغَّرًا قِيلَ: اسْمُهُ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ جُرَيْجٍ، نُسِبَ إِلَى جَدِّهِ (أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَنَّ عَطَاءَ بْنَ يَسَارٍ أَخْبَرَهُ، أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ) اسْمُهَا هِنْدُ بِنْتُ أَبِي أُمَيَّةَ (أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا قَرَّبَتْ) بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ أَيْ قَدَّمَتْ (