وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ، أَيْ حِينَ أَعْلَمُ أَنَّهُ يُحِبُّهُ، وَبِهِمَا قُرِئَ فِي الْمُتَوَاتِرِ، قَوْلُهُ تَعَالَى: وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا قِيلَ: وَكَانَ سَبَبُ مَحَبَّتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ مَا فِيهِ مِنْ إِفَادَةِ زِيَادَةِ الْعَقْلِ، وَالرُّطُوبَةِ الْمُعْتَدِلَةِ، وَمَا كَانَ يَلْحَظُهُ مِنَ السِّرِّ الَّذِي أَوْدَعَهُ اللَّهُ فِيهِ، إِذْ خَصَّصَهُ بِالْإِنْبَاتِ عَلَى أَخِيهِ يُونُسَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، حَتَّى وَقَاهُ حَرَّ الشَّمْسِ، وَبَرْدَ اللَّيْلِ، وَتَرَبَّى فِي ظِلِّهِ فَكَانَ لَهُ كَالْأُمِّ الْحَاضِنَةِ لِوَلَدِهَا.
(حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ) بِكَسْرِ أَوَّلِهِ (عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ حَكِيمِ بْنِ جَابِرٍ) أَيِ ابْنِ طَارِقِ بْنِ نَافِقٍ الْأَحْمَسِيِّ بِمُهْمَلَتَيْنِ، ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ مَاتَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ (عَنْ أَبِيهِ) أَيْ جَابِرٍ الْمَذْكُورِ، وَهُوَ صَحَابِيٌّ مُقِلٌّ، كَذَا نَقَلَهُ مِيرَكُ عَنِ التَّقْرِيبِ (قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَيْ فِي بَيْتِهِ (فَرَأَيْتُ عِنْدَهُ دُبَّاءً يُقَطِّعُ) بِكَسْرِ الطَّاءِ الْمُشَدَّدَةِ، وَفِي نُسْخَةٍ بِفَتْحِهَا، وَالتَّقْطِيعُ جَعْلُ الشَّيْءِ قِطْعَةً قِطْعَةً، وَبَابُ التَّفْعِيلِ لِلتَّكْثِيرِ (فَقُلْتُ: مَا هَذَا) أَيْ مَا فَائِدَتُهُ لَا مَا حَقِيقَتُهُ، وَإِنْ كَانَ الْأَصْلَ فِي مَا ; لِأَنَّهُ لَا يَجْهَلُ حَقِيقَتَهُ، كَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ حَجَرٍ رَدًّا عَلَى شَارِحٍ، حَيْثُ قَالَ: الْجَوَابُ مِنْ أُسْلُوبِ الْحَكِيمِ، وَهُوَ تَوَهُّمٌ مِنْهُمَا أَنَّ الْمُشَارَ إِلَيْهِ هُوَ الدُّبَّاءُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلِ الْمَصْدَرُ الْمَفْهُومُ مِنَ الْفِعْلِ، وَالْمَعْنَى مَا فَائِدَةُ كَثْرَةِ تَقْطِيعِهِ (قَالَ: نُكْثِرُ) بِنُونٍ مَضْمُومَةٍ وَتَشْدِيدِ مُثَلَّثَةٍ مَكْسُورَةٍ مِنَ التَّكْثِيرِ، هُوَ جَعْلُ الشَّيْءِ كَثِيرًا، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْإِكْثَارِ، كَمَا فِي نُسْخَةٍ، وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ، لَكِنَّ الْأُصُولَ عَلَى الْأَوَّلِ، وَفِي نُسْخَةٍ بِضَمِّ تَحْتِيَّةٍ، وَفَتْحِ مُثَلَّثَةٍ مُشَدَّدَةٍ، فَقَوْلُهُ: (بِهِ) أَيْ بِالتَّقْطِيعِ مُتَعَلِّقٌ بِهِ، وَقَوْلُهُ: (طَعَامَنَا) مَنْصُوبٌ عَلَى الْأَوَّلِ، وَمَرْفُوعٌ عَلَى الْأَخِيرِ، وَقَالَ الْعِصَامُ: فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأُصُولِ عَلَى صِيغَةِ الْمَعْرُوفِ، مِنَ التَّقْطِيعِ، كَتَكْثِيرٍ مِنَ التَّكْثِيرِ، وَفِي بَعْضِهَا بِقَطْعٍ عَلَى صِيغَةِ الْمَجْهُولِ، وَنُكْثِرُ مِنَ الْإِكْثَارِ عَلَى صِيغَةِ الْمَعْرُوفِ وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ وَفِي بَعْضِهَا يُقَطَّعُ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ، وَيَكْثُرُ مُسْنَدًا إِلَى طَعَامِنَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَفِيهِ أَنَّ الِاعْتِنَاءَ بِأَمْرِ الطَّبْخِ، وَمَا يُصْلِحُهُ لَا يُنَافِي الزُّهْدَ وَالتَّوَكُّلَ، بَلْ يُلَائِمُ الِاقْتِصَادَ فِي الْمَعِيشَةِ الْمُؤَدِّي إِلَى الْقَنَاعَةِ، وَلَمَّا كَانَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، هُوَ الْمَشْهُورُ مِنَ الصَّحَابَةِ، كَثِيرَ الرِّوَايَةِ، وَالْمُطْلَقُ يُصْرَفُ إِلَيْهِ عِنْدَ الْمُحَدِّثِينَ (قَالَ أَبُو عِيسَى وَجَابِرٌ هَذَا) أَيِ الْمَذْكُورُ فِي إِسْنَادِ هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى مَا سَبَقَ (هُوَ جَابِرُ بْنُ طَارِقٍ، وَيُقَالُ: ابْنُ أَبِي طَارِقٍ) يَعْنِي لَا جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ ; لِأَنَّهُ مِنَ الْمُكْثِرِينَ وَهُوَ وَأَبُوهُ
صَحَابِيَّانِ جَلِيلَانِ (وَهُوَ) أَيْ جَابِرُ بْنُ طَارِقٍ (رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ) وَفِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا نَعْرِفُ لَهُ إِلَّا هَذَا الْحَدِيثَ الْوَاحِدَ) رُوِيَ مَعْلُومًا عَلَى صِيغَةِ الْمُتَكَلِّمِ مَعَ الْغَيْرِ، وَرُوِيَ مَجْهُولًا عَلَى صِيغَةِ الْمُذَكَّرِ الْغَائِبِ، فَعَلَى الْأَوَّلِ يُنْصَبُ الْحَدِيثُ الْوَاحِدُ، وَعَلَى الثَّانِي يُرْفَعُ، قِيلَ: لَا وَجْهَ لِذِكْرِهِ هَذَا فِي جَابِرٍ هَذَا وَتَرْكِهِ فِي ابْنِ أَسِيدٍ السَّابِقِ مَعَ أَنَّ مِثْلَهُ فِيهِ انْتَهَى. وَلَيْسَ فِي مَحَلِّهِ ; لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّ حَالَ أَبِي أَسِيدٍ مَشْهُورٌ بِالنَّفْيِ عَنْ ذَلِكَ لِشُهْرَتِهِ، أَوْ أَنَّهُ حَفِظَ ذَلِكَ فِي هَذَا دُونَ ذَاكَ، فَبَيَّنَ مَا عَرَفَهُ وَسَكَتَ عَمًّا لَا يَعْرِفُهُ،