أَلِفُ حُبَارَى لَيْسَتْ لِلتَّأْنِيثِ، وَلَا لِلْإِلْحَاقِ، وَإِنَّمَا بُنِيَ الِاسْمُ عَلَيْهَا فَصَارَتْ كَأَنَّهَا مِنْ نَفْسِ الْكَلِمَةِ، لَا يَنْصَرِفُ فِي مَعْرِفَةٍ وَلَا نَكِرَةٍ، أَيْ لَا تُنَوَّنُ.
قُلْتُ: هَذَا سَهْوٌ مِنْهُ بَلْ أَلِفُهَا لِلتَّأْنِيثِ كَسُمَانَى، وَلَوْ لَمْ تَكُنْ لَهُ لَانْصَرَفَتْ.
وَالْحُبَارَى طَائِرٌ مَعْرُوفٌ يَقَعُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَاحِدُهُ وَجَمْعُهُ سَوَاءٌ، وَإِنْ شِئْتَ قُلْتَ: فِي الْجَمْعِ حُبَارَيَاتٌ، وَأَهْلُ مِصْرَ يُسَمُّونَ الْحُبَارَى الْحَبْرَجَ، وَهِيَ مِنْ أَشَدِّ الطَّيْرِ طَيَرَانًا، وَأَبْعَدِهَا شَوْطًا، وَذَلِكَ أَنَّهَا تُصَادُ بِالْبَصْرَةِ، فَتُوجَدُ فِي حَوَاصِلِهَا الْحَبَّةُ الْخَضْرَاءُ الَّتِي شَجَرَتُهَا الْبُطْمُ وَمَنَابِتُهَا تُخُومُ بِلَادِ الشَّامِ، وَلِذَلِكَ قَالُوا فِي الْمَثَلِ: أَطْلَبُ مِنَ الْحُبَارَى.
وَإِذَا نُتِفَ رِيشُهَا، وَأَبْطَأَ نَبَاتُهَا مَاتَتْ حُزْنًا، وَهُوَ طَائِرٌ كَبِيرُ الْعُنُقِ، رَمَادِيُّ اللَّوْنِ فِي مِنْقَارِهِ بَعْضُ الطُّولِ، لَحْمُهُ بَيْنَ لَحْمِ الْبَطِّ وَالدَّجَاجِ، وَهُوَ أَخَفُّ مِنْ لَحْمِ الْبَطِّ، وَسِلَاحُهَا سِلَاحُهَا.
وَمِنْ شَأْنِهَا أَنَّهَا تُصَادُ وَلَا تَصِيدُ، وَهُوَ مِنْ أَكْثَرِ الطَّيْرِ حِيلَةً فِي تَحْصِيلِ الرِّزْقِ، وَمَعَ ذَلِكَ يَمُوتُ جُوعًا بِهَذَا السَّبَبِ وَوَلَدُهَا يُقَالُ لَهَا: النَّهَارُ، وَفَرْخُ الْكَرَوَانِ اللَّيْلُ قَالَ الشَّاعِرُ (شِعْرٌ) :
وَنَهَارًا رَأَيْتُ مُنْتَصَفَ اللَّيْلِ ... وَلَيْلًا رَأَيْتُ نِصْفَ النَّهَارِ
كَذَا نَقَلَهُ مِيرَكُ مِنْ حَيَاةِ الْحَيَوَانِ وَقِيلَ: يُضْرَبُ بِهِ الْمَثَلُ فِي الْحُمْقِ، وَيُقَالُ كُلُّ شَيْءٍ يُحِبُّ وَلَدَهُ حَتَّى الْحُبَارَى، وَقِيلَ: يُوجَدُ فِي بَطْنِهِ حَجَرٌ إِذَا عُلِّقَ عَلَى شَخْصٍ، لَمْ يَحْتَلِمْ مَا دَامَ عَلَيْهِ هَذَا.
وَفِي حَدِيثِ أَنَسٍ أَنَّ الْحُبَارَى لَيَمُوتَ هَزْلًا بِذَنْبِ بَنِي آدَمَ، يَعْنِي أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَحْبِسُ عَنْهَا الْقَطْرَ، بِشُؤْمِ ذُنُوبِهِمْ، وَإِنَّمَا خَصَّهَا بِالذِّكْرِ ; لِأَنَّهَا أَبْعَدُ الطَّيْرِ نُجْعَةً، وَرُبَّمَا تُذْبَحُ بِالْبَصْرَةِ، وَيُوجَدُ فِي حَوَاصِلِهَا الْحَبَّةُ الْخَضْرَاءُ، وَبَيْنَ الْبَصْرَةِ وَبَيْنَ مَنَابِتِهَا مَسِيرَةُ أَيَّامٍ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ، وَالنُّجْعَةُ طَلَبُ الْكَلَاءِ.
وَرَوَى الشَّيْخَانِ أَنَّهُ أَكَلَ لَحْمَ حِمَارِ الْوَحْشِ، وَلَحْمَ الْجَمَلِ سَفَرًا، وَحَضَرًا وَلَحْمَ الْأَرْنَبِ.
وَرَوَى مُسْلِمٌ أَنَّهُ أَكَلَ مِنْ دَوَابِّ الْبَحْرِ.
(حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ) بِضَمِّ مُهْمَلَةٍ وَسُكُونِ جِيمٍ (حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَيُّوبَ عَنِ الْقَاسِمِ التَّمِيمِيِّ) هُوَ ابْنُ عَاصِمٍ التَّمِيمِيُّ وَيُقَالُ: الْكُلَيْنِيُّ بِنُونٍ بَعْدَ التَّحْتِيَّةِ، مَقْبُولٌ مِنَ الرَّابِعَةِ، كَذَا فِي التَّقْرِيبِ، وَفِي نُسْخَةٍ ضَعِيفَةٍ التَّيْمِيُّ بِمِيمٍ وَاحِدَةٍ (زَهْدَمِ الْجَرْمِيِّ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ أَبِي مُوسَى) أَيْ حَاضِرِينَ أَوْ جَالِسِينَ (قَالَ) أَيْ: زَهْدَمُ وَأُعِيدَ تَأْكِيدًا (فَتُقُدِّمَ طَعَامُهُ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ مِنَ التَّقَدُّمِ، كَذَا مَضْبُوطٌ فِي أَصْلِ السَّيِّدِ، وَفِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ فَقَدَّمَ بِصِيغَةِ الْمَفْعُولِ مِنَ التَّقْدِيمِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ، فَفِي الْقَامُوسِ قَدَمَ الْقَوْمَ كَنَصَرَ وَقَدَّمَهُمْ وَاسْتَقْدَمَهُمْ، تَقَدَّمَهُمْ وَالْمَعْنَى فَأُتِيَ بِطَعَامِهِ (وَقُدِّمَ فِي طَعَامِهِ) أَيْ فِي أَثْنَائِهِ أَوْ فِي جُمْلَتِهِ (لَحْمُ دَجَاجٍ) وَالثَّانِي أَظْهَرُ ; لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ هُنَاكَ طَعَامٌ آخَرُ لَمَا تَنَحَّى، وَأَكَلَ مِنْ غَيْرِهِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ تَبَعُّدُهُ مِنْ أَكْلِهِ خُصُوصًا فَتَأَمَّلْ (وَفِي الْقَوْمِ) أَيِ الْحَاضِرِينَ (رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَيْمِ اللَّهِ) أَيْ عَبْدِ اللَّهِ مِنْ قَوْلِهِمْ تَيَّمَهُ الْحُبُّ أَيْ عَبَّدَهُ وَذَلَّلَهُ، وَهُوَ تَيْمُ اللَّهِ بْنُ ثَعْلَبَةَ، وَهُمْ حَيٌّ مِنْ بَنِي بَكْرٍ يُقَالُ لَهُمُ اللَّهَازِمُ (أَحْمَرُ) صِفَةُ رَجُلٍ (كَأَنَّهُ مَوْلَى) أَيْ مِنْ مَوَالِيهِمْ عَلَى حَسَبِ ظَنِّهِ، أَوْ يُشْبِهُ مَوْلًى لِحُمْرَةِ وَجْهِهِ (قَالَ) أَيْ زَهْدَمُ (فَلَمْ يَدْنُ) أَيْ لَمْ يَقْرُبِ الرَّجُلُ إِلَى الطَّعَامِ، وَهُوَ مَعْنَى التَّبَعُّدِ السَّابِقِ، أَوْ هُمَا كِنَايَتَانِ عَنْ عَدَمِ إِقْبَالِهِ عَلَى الطَّعَامِ، وَانْتِفَاءِ تَنَاوُلِهِ مِنْهُ (فَقَالَ لَهُ أَبُو مُوسَى: (ادْنُ) أَيِ اقْرُبْ إِلَى الطَّعَامِ، وَكُلْ (فَإِنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكَلَ مِنْهُ) تَذْكِيرُ الضَّمِيرِ فِيهِ وَفِيمَا بَعْدَهُ رَاجِعٌ إِلَى الدَّجَاجِ هُنَا، بِخِلَافِهِ