نَتِنًا بِنُونَيْنِ بَيْنَهُمَا فَوْقِيَّةٌ مَكْسُورَةٌ، وَيَجُوزُ سُكُونُهَا بِتَقْدِيرِ ذَا، كَذَا ذَكَرَهُ مِيرَكُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ بَدَلٌ مِنْ شَيْئًا لَا أَنَّهُ وَصْفٌ لَهُ (فَحَلَفْتُ) بِفَتْحِ اللَّامِ أَيْ أَقْسَمْتُ (أَنْ لَا آكُلَهَا) وَالظَّاهِرُ أَنَّ حَلِفَهُ لِإِبَاءِ طَبْعِهِ وَكَرَاهَتِهِ لِأَكْلِهَا نَتِنًا كَمَا يَأْتِي مِنْ قَوْلِهِ: فَقَذِرْتُهُ لَا لِتَوَّهُمِ حُرْمَتِهِ، كَمَا تَوَهَّمَ الْحَنَفِيُّ وَتَبِعَهُ ابْنُ حَجَرٍ، فَإِنَّهُ إِذَا اعْتَقَدَ الْحُرْمَةَ مَا احْتَاجَ إِلَى الْيَمِينِ، وَأَيْضًا كَوْنُهُ مِنَ التَّابِعِينَ وَفِي أَيَّامِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ، يُمْنَعُ أَنْ يُحَرِّمَ حَلَالًا بِغَيْرِ دَلِيلٍ قَطْعِيٍّ، مَعَ أَنَّ الطَّعَامَ مَطْبُوخٌ فِي بَيْتِ أَبِي مُوسَى (قَالَ) أَيْ أَبُو مُوسَى (ادْنُ) بِضَمِّ النُّونِ أَمْرٌ مِنَ الدُّنُوِّ أَيِ اقْرُبْ، وَخَالِفْ طَبْعَكَ، وَتَابِعْ شَرْعَكَ (فَإِنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْكُلُ لَحْمَ دَجَاجٍ) فَالْأَنْسَبُ مُتَابَعَتُهُ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يَكُونَ هَوَاهُ تَبَعًا لِمَا جِئْتُ بِهِ.
قَالَ النَّوَوِيُّ فِي أَرْبَعِينِهِ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ، وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا حَلَفْتَ عَلَى يَمِينٍ، فَرَأَيْتَ غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا، فَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ، وَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِكَ، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.
قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: فَإِنْ قُلْتَ: لَعَلَّهُ فَهِمَ أَنَّ فِي جِنْسِهَا جَلَّالَةً، وَهِيَ يَحْرُمُ أَوْ يُكْرَهُ أَكْلُهَا عَلَى الْخِلَافِ فِيهِ، فَكَيْفَ يُؤْمَرُ بِالْحِنْثِ حِينَئِذٍ، قُلْتُ: لَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ كَوْنُهَا جَلَّالَةً ; لِأَنَّ مُجَرَّدَ أَكْلِهَا الْقَذَرَ لَا يَسْتَلْزِمُ التَّغَيُّرَ الَّذِي حُصُولُهُ شَرْطٌ فِي تَسْمِيَتِهَا جَلَّالَةً، حَتَّى يَجْرِيَ ذَلِكَ الْخِلَافُ فِيهَا، نَعَمْ، لَوْ قَيَّدَ يَمِينَهُ بِالْجَلَّالَةِ لَمْ يُنْدَبِ الْحِنْثُ فِيهَا، انْتَهَى.
وَفِي جَوَابِ السُّؤَالِ وَتَطَابُقِهِمَا نَظَرٌ لَا يَخْفَى مَعَ أَنَّ حُرْمَةَ أَكْلِ الْجَلَّالَةِ أَوْ كَرَاهَتِهَا مُقَيَّدَةٌ بِعَدَمِ
حَبْسِهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي الْفُرُوعِ، وَلَا يُظَنُّ بِالْمُسْلِمِينَ لَا سِيَّمَا فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ أَنْ يَرْتَكِبُوا الْكَرَاهَةَ، فَضْلًا عَنِ الْحُرْمَةِ.
(حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ سَهْلٍ الْأَعْرَجُ الْبَغْدَادِيُّ) بِالْمُهْمَلَةِ فَالْمُعْجَمَةِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَيَجُوزُ عَكْسُهُ وَإِهْمَالُهُمَا وَإِعْجَامُهُمَا (حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ) بِفَتْحِ الْمِيمِ قَالَ مِيرَكُ: وَفِي تَهْذِيبِ الْكَمَالِ رَوَى لَهُ حَدِيثًا وَاحِدًا، قَالَ الْبُخَارِيُّ: إِسْنَادُهُ مَجْهُولٌ، وَقَالَ الْعُقَيْلِيُّ: لَا يُعْرَفُ إِلَّا بِهِ (عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُمَرَ بْنِ سَفِينَةَ) قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْجَامِعِ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا يُعْرَفُ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَإِبْرَاهِيمُ رَوَى عَنْهُ ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ وَأَبُو الْحَجَّاجِ النَّضْرُ بْنُ طَاهِرٍ الْبَصْرِيُّ (عَنْ أَبِيهِ) أَيْ عُمَرَ بْنِ سَفِينَةَ (عَنْ جَدِّهِ) أَيْ سَفِينَةَ وَهُوَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يُكْنَى أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَيُقَالُ: كَانَ اسْمُهُ مِهْرَانَ أَوْ غَيْرُهُ، فَلُقِّبَ بِسَفِينَةَ ; لِكَوْنِهِ حَمَلَ شَيْئًا كَثِيرًا فِي السَّفَرِ، صَحَابِيٌّ مَشْهُورٌ لَهُ أَحَادِيثُ، كَذَا نَقَلَهُ مِيرَكُ عَنِ التَّقْرِيبِ (قَالَ: أَكَلْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَحْمَ حُبَارَى) بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ، وَتَخْفِيفِ الْمُوَحَّدَةِ، وَفَتْحِ الرَّاءِ.
قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: