6013 - عَمْرو بْن مَيْمُونٍ الأودي: رَأَيْتُ عُمَرَ قَبْلَ أَنْ يُصَابَ بِأَيَّامٍ بالْمَدِينَةِ وَقَفَ عَلَى حُذَيْفَةَ وَعُثْمَانَ بْنِ حُنَيْفٍ وقَالَ: كَيْفَ فَعَلْتُمَا؟ أَتَخَافَا أَنْ تَكُونَا قد حَمَّلْتُمَا الأَرْضَ مَا لا تُطِيقُ؟ قَالا: حَمَّلْنَاهَا أَمْرًا هِيَ لَهُ مُطِيقَةٌ ومَا فِيهَا كثير فَضْلٍ. فقَالَ انْظُرَا أَنْ تَكُونَا حَمَّلْتُمَا الأَرْضَ مَا لا تُطِيقُ. فقَالا: لا، قَالَ لَئِنْ سَلَّمَنِي الله تعالى لأَدَعَنَّ أَرَامِلَ أَهْلِ الْعِرَاقِ لا يَحْتَجْنَ إِلَى أحدٍ بَعْدِي أَبَدًا، فَمَا أَتَتْ عَلَيْهِ رَابِعَةٌ حَتَّى أُصِيبَ رحمه الله، وإِنِّي لَقَائِمٌ مَا بَيْنِي وَبَيْنَهُ إِلاَّ ابْنُ عَبَّاسٍ غَدَاةَ أُصِيبَ، وَكَانَ إِذَا مَرَّ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ قام بينهما فإذا رأى خللاً قَالَ: اسْتَوُوا، حَتَّى إِذَا لَمْ يَرَ فِيهِم خَلَلاً
-[450]- تَقَدَّمَ فَكَبَّرَ وَرُبَّمَا قَرَأَ سُورَةَ يُوسُفَ أَوِ النَّحْلِ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ فِي الرَّكْعَةِ الأُولَى حَتَّى يَجْتَمِعَ النَّاسُ، فَمَا هُوَ إِلاَّ أَنْ كَبَّرَ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: قَتَلَنِي أَوْ أَكَلَنِي الْكَلْبُ حِينَ طَعَنَهُ فَطَارَ الْعِلْجُ بِسِكِّينٍ ذَاتِ طَرَفَيْنِ لا يَمُرُّ عَلَى أَحَدٍ يَمِيناً وشِمَالاً إِلاَّ طَعَنَهُ حَتَّى طَعَنَ ثَلاثَةَ عَشَرَ رَجُلاً فمَاتَ مِنْهُمْ تسعة، وفي رواية سَبْعَةٌ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ (الرَجُلُ) (?)
طَرَحَ عَلَيْهِ بُرْنُسًا فَلَمَّا ظَنَّ الْعِلْجُ أَنَّهُ مَأْخُوذٌ نَحَرَ نَفْسَهُ، وَتَنَاوَلَ عُمَرُ بيد عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ فَقَدَّمَهُ، فأما من كان يَلِي عُمَرَ فَقَدْ رَأَى الَّذِي رأيت، وَأَمَّا نَوَاحِي الْمَسْجِدِ فَإِنَّهُمْ لا يَدْرُونَ ما الأمر غَيْرَ أَنَّهُمْ فَقَدُوا صَوْتَ عُمَرَ وَهُمْ يَقُولُونَ سُبْحَانَ الله سُبْحَانَ الله، فَصَلَّى بِهِمْ عَبْدُالرَّحْمَنِ صَلاةً خَفِيفَةً فَلَمَّا انْصَرَفُوا، قَالَ: يَا ابْنَ عَبَّاسٍ انْظُرْ مَنْ قَتَلَنِي، فَجَالَ سَاعَةً ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ: غُلامُ الْمُغِيرَةِ بن شعبة فقالَ: أصنع. قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: قَاتَلَهُ الله لَقَدْ كنت أَمَرْتُ بِهِ مَعْرُوفًا. ثم قال: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَجْعَلْ مِيتَتِي بِيَدِ رَجُلٍ مسلم، قَدْ كُنْتَ أَنْتَ وَأَبُوكَ تُحِبَّانِ أَنْ يكثر الْعُلُوجُ بِالْمَدِينَةِ وَكَانَ الْعَبَّاسُ أَكْثَرَهُمْ رَقِيقاً، فَقَالَ ابن عباس. إِنْ شِئْتَ فَعَلْتُ، أَيْ: إِنْ شِئْتَ قَتَلْنَا. قَالَ: كذبت بَعْدَ مَا تَكَلَّمُوا بِلِسَانِكُمْ، وَصَلَّوْا قِبْلَتَكُمْ وَحَجُّوا حَجَّكُمْ، فَاحْتُمِلَ إِلَى بَيْتِهِ، فَانْطَلَقْنَا مَعَهُ، وَكَأَنَّ النَّاسَ لَمْ تُصِبْهُمْ مُصِيبَةٌ قَبْلَ يَوْمَئِذٍ فَقَائِلٌ يَقُولُ: أخافُ عَلَيْه، وَقَائِلٌ يَقُولُ: لا بأس فَأُتِيَ بِنَبِيذٍ فَشَرِبَ منه فَخَرَجَ مِنْ جَوْفِهِ، ثُمَّ أُتِيَ بِلَبَنٍ فَشَرِبَ منه، فَخَرَجَ مِنْ جُرْحِهِ (فعرفوا) (?)
أَنَّهُ مَيِّتٌ، فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ وَجَاءَ النَّاسُ يُثْنُونَ عَلَيْهِ وَجَاءَ رَجُلٌ شَابٌّ فَقَالَ: أَبْشِرْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ بِبُشْرَى الله لَكَ قد كان لك مِنْ صُحْبَةِ النبي - صلى الله عليه وسلم - وقِدَمٍ فِي الإسْلامِ مَا قَدْ عَلِمْتَ، ثُمَّ وَلِيتَ فَعَدَلْتَ ثُمَّ شَهَادَةٌ فقَالَ: وَدِدْتُ أَنَّ ذَلِكَ كان كَفَافًا لا عَلَيَّ وَلا لِي فَلَمَّا أَدْبَرَ الرجل إِذَا إِزَارُهُ يَمَسُّ الأَرْضَ فقَالَ رُدُّوا عَلَيَّ الْغُلامَ، قَالَ يَا ابْنَ أَخِي: ارْفَعْ ثَوْبَكَ؛ فَإِنَّهُ أنقى لِثَوْبِكَ وَأَتْقَى لِرَبِّكَ، يَا عَبْدَ الله انْظُرْ مَا عَلَيَّ مِنَ الديون فَحَسَبُوهُ فَوَجَدُوهُ سِتَّةً وَثَمَانِينَ أَلْفًا أَوْ نَحْوَهُ، فقَالَ: إِنْ وَفَى بهُ مَالُ آلِ عُمَرَ فَأَدِّهِ مِنْ أَمْوَالِهِمْ وَإِلاَّ فَسَلْ بَنِي عَدِيِّ بْنَ كَعْبٍ، فَإِنْ لَمْ تَفِ أَمْوَالُهُمْ فَسَلْ فِي قُرَيْشٍ وَلا تَعْدُهُمْ إِلَى غَيْرِهِمْ فَأَدِّ عَنِّي هَذَا الْمَالَ، انْطَلِقْ إِلَى أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عائشة فَقُلْ يَقْرَأُ عَلَيْكِ عُمَرُ السَّلامَ، وَلا تَقُلْ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ، فَإِنِّي لَسْتُ الْيَوْمَ لِلْمُؤْمِنِينَ أَمِيراً، وَقُلْ يَسْتَأْذِنُ عُمَرُ أَنْ يُدْفَنَ مَعَ صَاحِبَيْهِ، فَسَلَّمَ وَاسْتَأْذَنَ ثُمَّ دَخَلَ عَلَيْهَا فَوَجَدَهَا قَاعِدَةً تَبْكِي، فَقَالَ: يَقْرَأُ عَلَيْكِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ السَّلامَ وَيَسْتَأْذِنُ أَنْ يُدْفَنَ
-[451]- مَعَ صَاحِبَيْهِ، فَقَالَتْ: كُنْتُ أُرِيدُهُ لِنَفْسِي ولأوثرنه الْيَوْمَ عَلَى نَفْسِي، فَلَمَّا أَقْبَلَ قِيلَ هَذَا عَبْدُالله، فقَالَ: ارْفَعُونِي، فَأَسْنَدَهُ رَجُلٌ إِلَيْهِ، فَقَالَ: مَا لَدَيْكَ؟ قَالَ الَّذِي تُحِبُّ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَذِنَتْ، قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ مَا كَانَ شَيْءٌ أَهَمَّ
إِلَيَّ مِنْ ذَلِكَ، فَإِذَا أَنَا قُبضتُ فَاحْمِلُونِي، ثُمَّ سَلَّمُ، فَقُلْ: يَسْتَأْذِنُ عُمَرُ، فَإِنْ أَذِنَتْ لِي فَأَدْخِلُونِي، وَإِنْ رَدَّتْنِي رُدُّونِي إِلَى مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ. وَجَاءَتْ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ حَفْصَةُ وَالنِّسَاءُ يسترنها فَلَمَّا رَأَيْنَاهَا قُمْنَا، فَوَلَجَتْ عَلَيْهِ فَبَكَتْ عِنْدَهُ سَاعَةً، وَاسْتَأْذَنَ الرِّجَالُ فَوَلَجَتْ دَاخِلاً فَسَمِعْنَا بُكَاءَهَا مِنَ الدَّاخِلِ، فَقَالُوا: أَوْصِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ. اسْتَخْلِفْ، قَالَ: مَا أرى أَحَداً أَحَقَّ بِهَذَا الأَمْرِ مِنْ هَؤُلاءِ النَّفَرِ أَوِ الرَّهْطِ الذي تُوُفِّيَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ عَنْهُمْ رَاضٍ، فَسَمَّى عَلِيًّا وَعُثْمَانَ وَالزُّبَيْرَ وَطَلْحَةَ وَسَعْدًا وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ وَقَالَ يَشْهَدُكُمْ عَبْدُالله بْنُ عُمَرَ وَلَيْسَ لَهُ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ كَهَيْئَةِ التَّعْزِيَةِ لَهُ فَإِنْ أَصَابَتِ الإمْارَةُ سَعْدًا فَذَلكَ وَإِلاَّ فَلْيَسْتَعِنْ بِهِ أَيُّكُمْ مَا أُمِّرَ فَإِنِّي لَمْ أَعْزِلْهُ مَنْ عَجْزٍ وَلا خِيَانَةٍ، وَقَالَ: أُوصِى الْخَلِيفَةَ مِنْ بَعْدِي بِالْمُهَاجِرِينَ الأَوَّلِينَ أَنْ يَعْرِفَ لَهُمْ حَقَّهُمْ وَيَحْفَظَ لَهُمْ حُرْمَتَهُمْ، وَأُوصِيهِ بِالأَنْصَارِ خَيْراً {الَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ} أَنْ يَقْبَلَ مِنْ مُحْسِنِهِمْ وَأَنْ يعفو عَنْ مُسِيئِهِمْ، وَأُوصِيهِ بِأَهْلِ الأَمْصَارِ خَيْرًا فَإِنَّهُمْ رِدْءُ الإسْلامِ وَجُبَاةُ الْمَالِ وَغَيْظُ الْعَدُوِّ، وَأَنْ لا يُؤْخَذَ مِنْهُمْ إِلاَّ فَضْلُهُمْ عَنْ رِضاً منهُمْ.
وَأُوصِيهِ بِالأَعْرَابِ خَيْراً، فَإِنَّهُمْ أَصْلُ الْعَرَبِ وَمَادَّةُ الإسْلامِ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ حَوَاشِي أَمْوَالِهِمْ وَيُرَدَّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ، وَأُوصِيهِ بِذِمَّةِ الله وَذِمَّةِ رَسُولِهِ أَنْ يُوفى لَهُمْ بِعَهْدِهِمْ وَأَنْ يُقاتلَ مِنْ وَرَاءهم وَلا يُكَلَّفُوا إِلاَّ طَاقَتَهُمْ فَلَمَّا قُبِضَ خَرَجْنَا بِهِ فَانْطَلَقْنَا نَمْشِي فَسَلَّمَ عَبْدُ الله فقَالَ: يَسْتَأْذِنُ عُمَرُ قَالَتْ: أَدْخِلُوهُ، فَأُدْخِلَ فَوُضِعَ هُنَالِكَ مَعَ صَاحِبَيْهِ فَلَمَّا فُرِغَ مِنْ دَفْنِهِ اجْتَمَعَ هَؤُلاءِ الرَّهْطُ فَقَالَ عَبْدُالرَّحْمَنِ: اجْعَلُوا أَمْرَكُمْ إِلَى ثَلاثَةٍ مِنْكُمْ، فَقَالَ الزُّبَيْرُ: جَعَلْتُ أَمْرِي إِلَى عَلِيٍّ. فَقَالَ طَلْحَةُ جَعَلْتُ أَمْرِي إِلَى عُثْمَانَ؟ وَقَالَ سَعْدٌ جَعَلْتُ أَمْرِي إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ، فَقَالَ عَبْدُالرَّحْمَنِ أَيُّكُمَا يَبَرَّأُ مِنْ هَذَا الأَمْرِ فَنَجْعَلُهُ إِلَيْهِ، وَالله عَلَيْهِ وَالإسْلامُ لَيَنْظُرَنَّ أَفْضَلَهُمْ فِي نَفْسِهِ فَأُسْكِتَ الشَّيْخَانِ فَقَالَ عَبْدُالرَّحْمَنِ: أَفَتَجْعَلُونَهُ إِلَيَّ، وَالله عَلَيَّ أَنْ لا آلُ عَنْ أَفْضَلِكُمْ قَالا نَعَمْ فَأَخَذَ بِيَدِ أَحَدِهِمَا فَقَالَ لَكَ من قَرَابَة رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - وَالْقَدَم فِي الإسْلامِ مَا قَدْ
-[452]- عَلِمْتَ، فَالله عَلَيْكَ لَئِنْ أَمَّرْتُكَ لَتَعْدِلَنَّ وَلَئِنْ أَمَّرْتُ عُثْمَانَ لَتَسْمَعَنَّ وَلَتُطِيعَنَّ ثُمَّ خَلا بِالآخَرِ فَقَالَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ فَلَمَّا أَخَذَ الْمِيثَاقَ قَالَ: ارْفَعْ يَدَكَ يَا عُثْمَانُ، فَبَايَعَهُ وبَايَعَ لَهُ عَلِيٌّ وَوَلَجَ أَهْلُ الدَّارِ فَبَايَعُوهُ (?).