كان همّ الأول ردّ المعنى إلى ساحته الأولى، لكي يتوضح، ولا يعني هذا أن التفسير بالمأثور يغفل الجانب الجمالي أو لا يفهمه فما من مفسر أثبت إسناد الجناح للرحمة أو للذل حقيقة كما في قوله تعالى: وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ (?)، لكن النكت البلاغية والاهتمام بالشئون الفنية مما يندر في هذا التفسير.
ومن هذا النهج الكتب التي ألّفت في غريب القرآن، وأشهرها في هذا المضمار: «الغريب في مفردات القرآن» في القرن الخامس الهجري لصاحبه الراغب الأصفهاني (?)، وهو يبحث في الأصل المادي للمفردة القرآنية في دراسة مفهرسة وافية تفيد في بيان دقة الانتقاء القرآني نتيجة معرفة أصل الوضع للمفردة.
أما ابن قتيبة (?)، فقد عني بالمفردة في كتاب بعنوان «تفسير غريب القرآن»، وفي كتابه المشهور «تأويل مشكل القرآن»، بحث في المعاني المختلفة للفظ الواحد، وقد درس فيه بعناية ما يشبه انتقال المفردة من الحقيقة إلى المجاز، وفي فصل سماه «باب اللفظ الواحد للمعاني المختلفة» أورد فيه في خمسين صفحة أربعا وأربعين مفردة فيما يمكن تسميته بالمشترك اللفظي، مثل: الدين والخلق والأمة والقنوت والهدى.
وقد تبع ابن قتيبة كثير من الدارسين، فقدّموا جهدا لغويا حول علاقة اللفظ بالمعنى، ومن هذا الجهد عدّة فصول في «الاتقان» للسيوطي (?) وكذلك في